رحم الله شيخنا الشعراوي، فمنذ نحو ثلاثين عاماً خرج على الناس صوت جديد، يدعو إلى الله على بصيرة، ويكشف عن مراد الله من كلامه القديم، على نحو مباين لما ألفه الناس في زماننا هذا. ذلكم هو الشيخ محمد متولي الشعراوي، وكان الفضل في إبلاغ هذا الصوت وإذاعته مصروفاً كله إلى الأستاذ الأديب أحمد فراج، في برنامجه التلفزيوني "نور على نور".
ويوماً بعد يوم أخذ الناس يجتمعون حول ذلك الصوت لما ظهر لهم من أسلوبه الفريد في عرض القضايا ومناقشتها والاستدلال عليها، وأخذ الشيخ يبسط سلطانه على ساحة الخطاب الديني المرئي والمسموع، مخلياً مساحة كبيرة بينه وبين سائر الدعاة والوعاظ، لكنه قد لقي - في أول أمره - شيئاً من الإِنكار والتجافي، وبخاصة من بعض المثقفين الذين أعرضوا عنه أنفة واستعلاء، وذهاباً بأنفسهم عما تجتمع عليه العامة، ولعل ذلك الإِعراض يرجع أيضاً إلى ما أثر عن الوعاظ قديماً وحديثاً، من مخاطبتهم للمشاعر القريبة في الناس، واستنفارهم لشجون العواطف والقلوب، وبُعدهم عن معالجة قضايا الفكر ومسارح التأمل، على ما قرره توفيق الحكيم في كتابه "فن الأدب"، وفي كلام بعض أهل العلم قديماً ما يشير إلى ذلك.
يقول مجد الدين بن الأثير في مقدمة كتابه "النهاية في غريب الحديث والأثر"، وهو يتحدث عن جهود العلماء في التأليف في علم غريب الحديث: "وكان في زماننا أيضاً، الإِمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، كان متفنناً في علومه،