يقولون أقوالاً ولا يعلمونها ... ولو قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
ولكم أيها السادة أن تقولوا عن الشيخ أنه فريد عصره، وأنكم لا تعلمون له شبيهاً فيما يعالجه أهل العلم الآن من تفسير القرآن والكشف عن مراد الله فيه، لكم أن تقولوا هذا، ونحن نوافقكم عليه، أما أن تسحبوا هذا الحكم على علمائنا السابقين جميعهم فلا نوافقكم عليه، بل نأخذ على أيديكم ونمنعكم منه، ونضيق عليكم فيه، لأنه اغتيال لتاريخ علمائنا وأئمتنا، وقد دللتكم في مقالتي المنشورة بالهلال، على عالم من أئمتنا السابقين - لا أقول يشبه الشيخ الشعراوي، ولكن الشيخ الشعراوي هو الذي يشبهه - ذلكم هو جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي، الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ المؤرخ الأديب، المولود ببغداد سنة 508 هـ = 1114 م والمتوفى بها 597 هـ = 1200 م.
كان عالماً فذاً كثير التصانيف في التفسير والحديث والتاريخ واللغة. لكنه عُرف بالوعظ، وطارت له فيه شهرة عظيمة، حتى قيل في وصفه "عالم العراق وواعظ الآفاق"، وقالوا في وصفه: إنه كان من أحسن الناس كلاماً وأتمهم نظاماً وأعذبهم لساناً وأجودهم بياناً، وكان يحضر مجالس وعظه الخليفة العباسي المستضيء بالله، وكذلك الوزراء والعلماء والفقهاء والقضاة وأرباب الدولة وسائر الناس على اختلاف طبقاتهم، حتى قيل إن مجلس وعظه حزر بمائة ألف (انظر: العبر فيِ خبر من عبر للذهبي 4/ 298).
وقد وصف الرحالة ابن جبير مجلساً من مجالس ابن الجوزي، وقد حضره، فقال: "ثم إنه بعد أن فرغ من خطبته برقائق من الوعظ وآيات بينات من الذكر، طارت لها القلوب اشتياقاً، وذابت بها الأنفس احتراقاً، إلى أن علا الضجيج، وتردد بشهقاته النشيج، وأعلن التائبون بالصياح، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح، كل يلقي ناصيته بيده فيجزها ويمسح على رأسه داعياً له، ومنهم من يغشى عليه فيرفع في الأذرع إليه. فشاهدنا هولاً يملأ النفوس إنابة وندامة، ويذكرها هول يوم القيامة"، رحلة ابن جبير ص 197، 198.