خلقه عليه "إبليس" عليه لعائن الله تترى، وقد سأل ربه: {قال رب فأنظرني الى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين * إلى يوم الوقت المعلوم} [الحجر: 36 - 38]، [ص: 79 - 81]، وأنظرني: أي أمهلني ومد في حياتي.
ثم تنجلي غمرة الأسى على وفاة الشيخ الجليل عن سيل متدافع، في رثائه والكتابة عنه والأسف على فقده. وقد شارك في هذه المراثي طوائف من خاصة الناس وعامتهم. والحق أن أهل زماننا انقسموا في أمر الشيخ إلى طائفتين: الطائفة الأولى: أحبته فأسرفت في حبه، وبالغت في شأنه. والطائفة الثانية: أبغضته وشنئته وأسرفت في كرهه، وما أنصف هؤلاء ولا عدل أولئك، والأمر في الحالتين كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "سيهلك فيَّ صنفان: محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط فألزموه".
وإذا كانت الطائفة الثانية قد أساءت بسكوتها وتجاهلها، فإن الطائفة الأولى قد أساءت أيضاً بإسرافها ومبالغتها في الحديث عن الشيخ وكأنه نبي يوحى إليه، وليس الطريق هنا أو هنالك! .
من أي بئر يستقي؟ !
وبدءة ذي بدء فإني أحب أن يكون واضحاً أني من أكثر الناس معرفة بقدر الشيخ الجليل، ومن أعظم الناس حباً له، وهو حب له أسبابه ومسوغاته، فمنذ أطل هذا الوجه الكريم على الناس من شاشة التلفزيون في أوائل السبعينات، وأنا مرهف له سمعي، صارف إليه عقلي، مسدد نحوه بصري، أريد أن أعرف مصادره، ومن أي بئر عذبة يستقي، وفي أي كلأ مخصب يرتعي، ومن أي نار متأججة يقبس، ويوماً بعد يوم استوى عمود الصورة أمامي لهذا الشيخ الجليل، وحين تم لي ذلك - من خلال سماعي له ومشاهدتي إياه في التلفزيون فقط، وعلى غير لقاء أو تعارف بيننا، إلى أن مات رحمه الله - رأيته واجباً عليّ متعيناً أن أقدم هذا الرجل للناس، على نحو كاشف محلل، يتجاوز الإِعجاب الساذج إلى الإِبانة الصادقة عن منهج الرجل