متتابعة، إذا جاء بعضها في إثر بعض فلا فصل، وجاءت متواترة، إذا تلاحقت وبينها ... قال: ومما يؤيد ما ذكرنا من معنى التواتر قوله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا}، ومعلوم ما بين كل رسولين من الفترة وتراخي المدة.

وروى عبد خيرٍ، قال: قلت لعلي رضي الله عنه: إن عليَّ أياماً من شهر رمضان، أفيجوز أن أقضيها متفرقة؟ قال: اقضها إن شئت متتابعة، وإن شئت تترى. قال: فقلت: إن بعضهم قال: لا تجزئ عنك إلا متتابعة. فقال: بلى، تجزئ تترى؟ لأنه عر وجلّ قال: {فعدة من أيام أُخر} [البقرة: 184]، ولو أرادها متتابعة لبين التتابع، كما قال سبحانه: {فصيام شهرين متتابعين} - درة الغواص في أوهام الخواص ص 8، وانظر أيضاً: تقويم اللسان لابن الجوزي ص 88، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9/ 276، وسفر السعادة وسفير الإِفادة للسخاوي 1/ 174.

ومن الدليل أيضاً على أن التواتر غير التتابع حديث أبي هريرة: "لا بأس بقضاء رمضان تترى"، قال ابن الأثير: "أي متفرقاً غير متتابع"، وروى هذا الحديث أيضاً: "لا بأس أن يواتر قضاء رمضان"، قال ابن الأثير: أي يفرقه، فيصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يلزمه التتابع فيه" النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 181، 5/ 148.

والخلاصة: أنه إذا كان بين الأمرين فصل فهي المواترة والتواتر، وإذا لم يكن بينهما فصل فهي التتابع والمداركة والمواصلة، وهذا من الفروق اللغوية بين الشيئين المتقاربين في المعنى، وهو باب مهم من العربية، ومن أحسن ما ألف فيه كتاب "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري، وهو مطبوع متداول، فاحرص عليه واجعله قريباً منك يستقم لسانك وبيانك.

وهذه جملة من الشواهد النثرية والشعرية على استعمال "تترى" اسماً لا فعلاً.

أخرج البخاري من حديث قباث بن أشيم الليثي قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى، وصلاة أربعة يؤمهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015