أجمل كتاب في حياتي:
"البيان والتبيين"، للجاحظ (?)
الكتب كالبشر، منها ما تعرفه ثم لا تُطيقه فتلفظه، ومنها ما تأنس به ساعة من نهار، وقد تؤمل فيه خيراً فتستبقيه في ركن من نفسك، علَّك أن تعود إليه يوماً، لكنك تكتشف من قريب أنه ليس بذاك فتعرض عنه، ومنها ما يخطف بصرك ويعلق بقلبك فإذا أنت منجذب إليه ومعقود به، لا تكاد تدير وجهك عنه، وكأنه "سالم" ذلك الذي يقول فيه أبوه عبد الله بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهم:
يُديرونني عن سالم وأُديرهُمْ ... وجلدةُ بين العين والأَنف سالم
وكُتب أبي عثمان الجاحظ من هذه الطائفة الثالثة. وقد عرفت الجاحظ أيام الطلب، وكان أساتذتنا رضوان الله عليهم يعرّفوننا بأعلام تراثنا ويقدمونهم إلينا في صورة محفوفة بالجلال ملففة بالمهابة، وكان تعريفهم لنا بهؤلاء الأعلام مقروناً بنصوص من كلامهم، يقرأونها علينا، ويخوضون بنا لججها، ويكشفون لنا عن أسرارها، فعرفنا العربية صافية قبل أن تكدرها الدلاء، فلم يكن الدرس الأدبي واللغوي في أيامنا غارقاً في ضباب المصطلح والنظرية، وتقويم الفكر العربي، وسائر تلك التهاويل الفارغة والدعاوى العريضة التي فتحت الباب للصغار يعبثون بتاريخهم وعلومهم!
ما علينا، عرفت في ذلك الزمان الجاحظ، مع من عرفت من أعلام النقد