المثقف، والفرنسي غير المتخصص، والألماني الذي لا يهتم بالأدب، سيجد من العسير عليه، إذا عاد إلى أدب قومه في القرن الثالث عشر الميلادي، أن يقراه في سهولة، وأن يفهمه في وضوح.

أما الأدب العربي فأقدم نص فيه يعود إلى مطلع النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي، أي له من العمر ألف وخمسمائة عام كاملة، ولا يجد القارئ العادي صعوبة في قراءته، أو عسراً في تمثل معناه، فقواعده اللغوية هي التي نسير عليها، وتركيب الجملة فيه هو نفس ما نحتذيه، والغموض الذي يصاحب جانبا منه أحياناً مرده سبب آخر غير اللغة نفسها".

ويعبر المؤلف عن حقيقة كنت أزداد اقتناعاً بها كلما توغلت في التعامل مع تراثنا في فنونه المختلفة، يقول في ص 8: "وعبر ألف ونصف ألف من الأعوام، لم يتوقف العقل العربي عن الإِبداع، حتى في أحلك ساعات الأمة العربية، وكانت حصيلة ذلك تراثاً ثقافياً واسعاً، يعكس حقيقة مجتمعه، في سموه واحتضاره، في صعوده وتوقفه".

وكنت قد قلت كلاماً شبيهاً بهذا، في تقدمتي لرسالتي للدكتوراه عام 1978، وكان مما قلته: " ... وقد شمل هذا النشاط العالم الإِسلامي كله، مشرقه ومغربه، ولم يفضل عصر أو مصر سواهما إلا ما يكون من بعض الفروق الهينة التي تفرضها طبائع الزمان والمكان. أما حركة العقل العربي من حيث هي، فلم تخمد جذوتها، ولم تسكن حدتها، بتغير الحكام وتبدل الأيام، وإن أردت أن تعرف صدق ما أقول فانظر إلى ما اشتمل عليه القرنان السادس والسابع من كبار المفكرين والعلماء، وأنت تعلم أن هذين القرنين قد شهدا أعنف هجوم تعرضت له الأمة الإِسلامية: الحروب الصليبية والغزوة التترية، وقد كان هذا الهجوم الكاسح كفيلاً بالقضاء على هذه الأمة الإِسلامية لولا دفع الله وصيانته بما أودعه في روح العقيدة الإِسلامية من عوامل النماء والبقاء والازدهار.

أما ما تسمعه الآن من ثرثرة حول الحروب، وما تحدثه من إحباط وانكسار،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015