وإنَّ قليل العقل من بات ليله ... تقلبه الأسرار جنباً إلى جنب
وأنشد الأصمعي، قال: أنشدني أعرابي:
ولا أكتم الأسرار لكن أبثها ... ولا أدع الأسرار تقتلني غمّا
وإن سخيف الرأي من بات ليله ... حريباًَ بكتمان كأن به حمى
وفي بثك الأسرار للقلب راحة ... وتكشف بالإِفشاء عن قلبك الهما
وقال ثالث:
وامنع جارتي من كل خير ... وأمشي بالنميمة بين صحبي
انظر هذه الأشعار في الحيوان للجاحظ 5/ 185، وعيون الأخبار لابن قتيبة 1/ 41، والكامل للمبرد ص 884، وبهجة المجالس لابن عبد البر 1/ 460. وذكر الجاحظ أن ضيق الصدر بكتمان السر من أخلاق الصبيان والنساء، ومن أخلاق الخَصِيّ أيضاً - والخصي: هو المقطوع الخصية - قال في الحيوان 1/ 135: "ويعرض للخصي سرعة الغضب والرضا، وذلك من أخلاق الصبيان والنساء، ويعرض له حب النميمة، وضيق الصدر بما أودع من السر، وذلك من أخلاق الصبيان والنساء".
ومن رقيق شعر عزيز باشا أباظة قوله من قصيدته "همسة حائرة":
يبيت يودع سمع الليل عاصفة ... ضاق النهار بها ستراً وكتمانا
فأثبت للنهار أيضاً ضيقاً بكتمان السر، كالإِنسان سواء بسواء.
وبعد: فهذه صور من الصدق مع النفس، سلوكاً وكلاماً منثوراً ومنظوماً، امتلأت بها كتبنا وآثارنا التي تعرض الحياة كلها بخيرها وشرها، وبياضها وسوادها، وتلك طبيعة الحضارات العظيمة. .
وتحية إلى الأستاذ صلاح عيسى، الذي فتح لنا هذا الباب من القول.
* * *