ونسبه الجاحظ إلى حارثة بن بدر، فجعله منشئه لا منشده، في الحيوان 3/ 80، والبيان والتبيين 3/ 219، لكنه في ص 336 من ذلك الجزء أنشده من غير نسبة.
وقد كثر تمثل أهل العلم بهذا البيت، فيذكر ابن عبد ربه في العقد الفريد 2/ 290 عن الهيثم بن عدي قال: لما انفرد سفيان بن عيينة (198 هـ) ومات نظراؤه من العلماء تكاثر الناس عليه، فأنشأ يقول: خلت الديار ... البيت. وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان 4/ 220، في ترجمة "أبي بكر محمد بن أحمد الحسين الشاشي الففيه الشافعي (507 هـ) أنه يوم جلس على كرسي التدريس بالمدرسة النظامية ببغداد - وكان قد سبقه إلى التدريس فيها فحول العلماء - وضع منديله على عينيه وبكى كثيراً، وأنشد: خلت الديار ... البيت، قال ابن خلكان: "وهذا إنصاف منه واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه".
وروي أن التابعي الجليل إبراهيم بن يزيد النخعي (96 هـ) قال: لقد تكلمت، ولو وجدت بداً ما تكلمت، وإن زماناً تكلمت فيه لزمان سوء"، ثم أنشد البيت: خلت الديار ... عيون الأخبار لابن قتيبة 1/ 268، والخبر رواه أبو نعيم الأصبهاني هكذا: "وإن زماناً أكون فيه فقيه الكوفة لزمان سوء"، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 4/ 223.
وللشعراء وأهل الأدب كلام كثير، في فضيلة كتم السر وصونه وعدم إذاعته، لكن بعض الناس يضيق صدره عن كتمان السر، ويحس انه يحمل هماً ثقيلاً على صدره، أو جبلاً ضخماً على ظهره، فهو يريد أن يتخلص من عبئه، فيدور به على الناس، لا يبالي أين يقع منهم، وليس بالضرورة أن يكون إفشاؤه السر لغاية من إفساد أو سعاية، ولكنها الثرثرة ليس غير، وإراحة النفس من هم مغالبة الكتمان ومرافعة الحفظ، وقد ترجم عن هذا شاعر، في لحظة صدق عالية، فيقول سحيم الفقعسي (لم أعرف تاريخه، وانظر من اسمه سحيم من الشعراء في خزانة الأدب للبغدادي 1/ 266)، يقول سحيم هذا:
ولا أكتم الأسرار لكن أُذيعها ... ولا أترك الأسرار تغلي على قلبي