نفسه، يقول: "فأول ما أبدأ به ما خصَّني منه، وهو أنني كنت جالساً وإلى جانبي أبو سعد القادسي، أحد المتفيهقين المتشدقين، وجرى ذكر بعض ثقلاء الزمان المتعسفين، فقلت مسرعاً متبرعاً: إنه ليشبه ابن القادسي فيما يتعاطاه، مما يتجاوز فيه الصواب ويتخطاه. ثم استيقظت من رقدة زلتي، وانتبهت لهفوتي ..

ثم ذكر بعد ذلك استدراكه على هذا الخطأ بتوجيه الفول بعيدا عن ابن القادسي.

ولم أرَ في أدباء هذا الزمان من يكثر من الاعتراف بخطئه، والتنويه بمن دله على وجه الصواب، من شيخنا أبي فهر محمود محمد شاكر، وهو كثير عنده، ومنه ما ذكره في المستدرك بآخر كتاب إمتاع الأسماع بما للرسول من الأنباء والأموال والحفدة والمتاع، للمقريزي المتوفى (845 هـ)، فقد صحح ما ورد في ص 216 من الجزء الأول، من قوله: "لم أجد ذكر أبي عامر الفاسق في حديث بعد خبره يوم أُحد، إلا خبر موته عند هرقل، وذلك عام حجة الوداع"، فقال في الاستدراك: "وهذا خطأ مني، فيه نسيان وعجلة، إذ ليس يخفى خبر أبي عامر الفاسق في أمر مسجد الضرار".

فلم يكتف بنسبة الخطأ إلى نفسه حتى ضم إليه النسيان مقروناً بالعجلة، وهذا منهج شيخنا في كتاباته كلها، وفي تحقيقاته أيضاً، وإنما ذكرت هذا المثال بعينه، لأن كلام شيخنا هذا كان في سن الشباب، وهو زمن الخُيلاء والتيه، فقد صدر الجزء الأول من كتاب المقريزي سنة 1940 م.

نواصل في المقال القادم كلام الناس، وصدقهم في الإِبانة عن دخائل نفوسهم.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015