في قراءة الشعر الجاهلي وفهمه والإبانة عنه: «وليس بوسع أحد أن ينكر المصاعب التي تكتنف قراءة الشعر الجاهلي، وأولها - لا شك - صعوبة اللغة، فلا بد لنا أن نستصحب الشروح التي قام بها اللغويون القدماء، وربما غصنا في المعاجم القديمة - وهي على ما نعرف من سوء الترتيب - إن أعوزتنا الشروح».
هكذا قال أستاذنا، وكنت أحب للعبارة أن تكون «عسر الترتيب» وليس «سوء الترتيب»، وليس يخفى فرق ما بين الكلمتين، على أن «عسر المعاجم» هذا لم يعرف إلا في زماننا هذا، لأسباب كثيرة يأتيك حديث عن بعضها إن شاء الله.
ومهما يكن من أمر، فإن هذا العبارة من أستاذنا الفاضل تحمل على أحسن محاملها، على ما قال عمر بن الخطاب أيضاً: «ضع أمر أخيط على أحسنه حتى يأتيك ما يغلبك عليه» طوق الحمامة ص 264، نحن لم نعرف من أستاذنا إلا حبه للعربية وإجلاله لموروثها، ورأيه هذا في المعاجم العربية لا يطعن فيها جملة، ولا ينقصها قدرها بمرة، وإنما هو رأي من الرأي، يعرضه صاحبه فيناقش فيه فيقبل منه أو يرد عليه، وليس هو أول من نقد المعاجم العربية، ولن يكون آخره، فما برح أهل العلم منذ مطالع العصر الحديث ينقدون تلك المعاجم، ويكشفون عن جهات النقص فيها، وما يظهر من الاضطراب في ترتيب موادها، مع اختلاف مناهج ذلك النقد وغاياته.
يقول الدكتور عدنان الخطيب: «وإذا كان الكلام على عيوب المعجمات العربية يكاد يكون معاداً أو مكروراً، وإذا كان المهتمون بالمعجم العربي اليوم على شبه اتفاق حول كثير من تلك العيوب، إلا أن العلماء الذين تصدوا لنقد المعاجم القديمة، اختلفوا في أسلوب الكشف عن عيوبها، فكان لكل منهم أسلوبه ونهجه، لهذا كانت عيوب المعاجم عند اللغويين غيرها عند النحاة أو علماء الصرف أو الاشتقاق، وكذلك العيوب التي يراها علماء اللغات غير العيوب التي يراها علماء آخرون يهتمون بنواح تاريخية أو جغرافية أو طبية أو نباتية، أو غير ذلك من النواحي التي اشتملت عليها معاجمنا القديمة، ومن هنا نجد أن نقد الشدياق غير نقد الأب