وقفت في المقال السابق عند أسباب التردي في الكتابة ومجافاة حسن البيان وجمال العبارة، وقلت إن ذلك يرجع إلى أسباب كثيرة، أرجأت الحديث عنها إلى هذا المقال.
وبدءة ذي بدء لا أحب لك أيها القارئ العزيز أن تقول كما يقولون: إنها طبيعة العصر، وسرعة إيقاع الحياة، لا يدعان للكاتب فرصة لأن يحسن ويزين ويتأنق، كما أني لا أرضى لك أيها الشاب المبتدئ أن تصدق ما يقولونه من أن لغتنا العربية هي لغة الخيل والليل والبيداء، وأن زمانها قد راح وولى، وأن هذا عصر الكمبيوتر، فافسحوا له الطريق، لا أحب هذا لقارئي ولا أرضاه له.
وذلك لأن حسن البيان قيمة جمالية، والقيم الجمالية باقية ثابتة، لا تتغير بتغير الأيام وتبدل الأحوال، والفطر السوية تطرب للكلمة الحلوة، كما تطرب لهديل الحمام وزقزقة العصافير، وحفيف الشجر في ليلة طيبة الهواء، والعطر الفواح ينعشك سواء ركبت جملاً أو طائرة، ولا زلنا مع تغير الأصوات وتحولات الموسيقى نستقبل رمضان بأغنية أحمد عبد القادر «وحوي يا وحوي» كما نستقبل العيد بشدو أم كلثوم «يا ليلة العيد أنستينا» و «حبيبي يسعد أوقاته» وإن كانت هذه قد قيلت في عيد جلوس «فاروق» ملك مصر.