قلت: وممن اتصل به من العلماء: العلامة عبد القادر بن عمر البغدادي، صاحب «خزانة الأدب» فأكرمه وحظي عنده بمكانة رفيعة، وقد أهدى له البغدادي مؤلفه «حاشية على شرح بانت سعاد».
والطائفة الثالثة: مشايخ الإسلام، مثل: أسعد أفندي، وعاشر أفندي، وولي الدين أفندي، وعاطف أفندي، وفيض الله أفندي، وعلي أميري أفندي، ووهبي أفندي، وشيخ مراد أفندي - ومكتبته غير مكتبة مراد ملا - وكل هذه المكتبات باستانبول. وإسماعيل صائب أفندي ومكتبته بأنقرة.
ومع هذه الطوائف الثلاث ظهرت طائفة النساء اللائي عنين بجمع المخطوطات، فأنشأن لها مكتبات نسبت إليهن، مثل مكتبة طرخان، وصالحة خاتون، وأسما خان، وجلنوش، وبرتونيال، وكثير من المكتبات التي تسمى «والدة باشا» ثم تضاف إلى ابنها السلطان.
ولعل هذا التنافس في جمع المخطوطات وإنشاء المكتبات بهذا الحشد الكبير في استانبول كان مبعثه رغبة سلاطين آل عثمان والوزراء ومشايخ الإسلام والوجهاء، أن يكون لاستانبول تلك المكانة التي كانت لدمشق عاصمة الأمويين، وبغداد عاصمة العباسيين، ومصر عاصمة الفاطميين والأيوبيين والمماليك.
هكذا يقول بعض الدارسين والمحللين، أما أنا فإني أرى أن هذا كله من تسخير الله بعض عباده لحفظ العلم وبقاء الكتب، ولعل كثيراً من الذين جمعوا المخطوطات وأنشأوا لها الخزائن والمكتبات لم يخطر ببالهم عاصمة كذا وعاصمة كذا، وهل نظن أن امرأة تركية من الفضليات اللائي جمعن المخطوطات وأنشأن المكتبات كانت تفكر في مثل هذا الذي يذكره المحللون؟ إنها عناية الله وتسخير الله، وكل ميسر لما خلق له، ألست ترى بعض الكتاب الآن يكتبون في موضوعات غاية في الخصوصية، ويعكفون على تحقيقات وبحوث، لا تحقق شهرة، ولا تجلب مالاً، ولكنه التسخير الإلهي، ولله في خلقه شؤون.