ودع عنك ما يقال عن الغزو العثماني لمصر أو الاحتلال العثماني لمصر، فهذا كله من حديث السياسة، وللسياسة دروب ومضايق، يضيع فيها الحق، ويضل معها الحكيم، وهذه كلها من آفات المتابعة وعدم التحري، على ما قال الجاحظ: «وإنما يؤتى الناس من ترك التثبت وقلة المحاسبة».
ولقد قال الناس وأكثروا عن أخذ السلطان سليم للصناع والمهرة من مصر، وسلب المخطوطات، ولقد - والله - رأيت هذه المخطوطات بعيني بالمكتبة السليمية الوطنية في «أدرنة» بشمال تركيا، حيث مات ودفن السلطان سليم، فرأيتها محفوظة مصونة، لم تمس بسوء.
ومهما يكن من أمر فقد واكب نشاط سلاطين آل عثمان في الجهاد والفتوح، نشاط آخر في العلم والكتب، وآية ذلك أن كل سلطان أو صدر أعظم كان يحرص على أن يبني بجوار المسجد مدرسة ومكتبة تابعتين له وملحقتين به، ولما كان الناس على دين ملوكهم، فقد اقتدى بالسلاطين في ذلك الوزراء ومشايخ الإسلام، وعلى ذلك، فمجموعات المخطوطات في تركيا تنسب إلى ثلاث طوائف: السلاطين، مثل مكتبة السلطان سليم الأول - وهي المكتبة السليمية بأدرنه التي حدثتك عنها - ومكتبات السلطان محمد الفاتح والسلطان بايزيد، والسلطان أحمد الثالث، والمكتبة السليمانية نسبة إلى السلطان سليمان القانوني - أو المشرع - وكلها باستانبول.
والطائفة الثانية: الوزراء، مثل راغب باشا، وشهيد علي باشا، وكوبريلي باشا. والمكتبات الثلاث باستانبول، وكوبريلي باشا هذا، هو الوزير الفاضل أحمد بن محمد، وهو من كبار الرجال في الدولة العثمانية، يقول عنه المحبي في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر 1/ 353: «ولم يكن في الوزراء من يحفط أمر الدين وقانون الشريعة مثله، صعباً شديداً في أمور الشرع، سهلاً في أمور الدنيا، وكان حاذقاً مدبراً للملك، قائماً بضبطه، وملك من نفائس الكتب وعجائب الذخائر ما لا يدخل تحت الحصر، ولا يضبط بالإحصاء».