وحده، بل كان إلى جانبه كتبه الصغار المدرسية، مثل «اللمع» الذي ذكرته، والكتاب «الملوكي في التصريف».

ومن جناية هذا الوصف «الكتاب المدرسي» أن ذلك الكتاب القائم على أصول العلم وحدها دون إغراق في التحليل والتفلسف يرفض من أبحاث الترقيات ويستبعد من الجوائز الأدبية؛ لأنه كتاب مدرسي عمل للطلبة ليس غير، وهذا خلف من القول، وخطأ في الحكم. والكتاب المدرسي عمل من الأعمال العلمية: جيده جيد، ورديئه رديء، فلا يصح أن يستبعد جيده من أبحاث الترقيات، بل إني أتوق إلى اليوم الذي أرى فيه ترقية علمية يقصد بها الطالب قصداً، فإن بعض أبحاث الترقيات تدور غالباً في فلك بعيد عن الطالب، بل إن منها لما يشقق فيخرج منه كلام مفصل تفصيلاً على أعضاء لجان الترقيات، من حيث السير في طريقهم، والاستكثار من الرجوع إلى مؤلفاتهم بحق وبغير حق.

إن هذه النظرة المستخفة إلى الكتاب المدرسي قد دفعت كثيراً من الأساتذة المجيدين إلى شيء من الملل، فلم يعطوا الكتاب الجامعي حظه من الإجادة والإتقان، وكأن هذا الذي يقدم للطالب حسوة الطائر أو قبسة العجلان، لا تروي غليلاً ولا تضيء ظلاماً، ولا تنضج طعاماً، فجاء الكتاب الجامعي الآن - أو قل الكثير منه - في صورة مهلهلة: طباعة سيئة وورق رديء، فضلاً عن المادة العلمية الخفيفة، وتنظر إلى هذه الكتب الجامعية والمذاكرات على أبواب لجان الامتحانات وقد ألقاها الطلبة إلقاء على الأرض بعد أن نظروا فيها النظرة الأخيرة، فتراها وقد تحولت إلى شيء مكور مستدير كالذي يتقاذفه الأطفال بأرجلهم شبيهاً بالكرة التي يسمونها «الكرة الشراب». وابك ما شاء الله لك أن تبكي على هذا العلم الملقى على الأرض، على ما قال الشاعر:

ويفت المسك في التر ... ب فيوطا ويداس

إن أزمتنا الحقيقة أن الملل يسيطر على حياتنا الجامعية كلها، وإن أضعف جوانب الأستاذ الجامعي الآن هو ما يظهر للطالب في أثناء المحاضرة ومن خلال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015