وتركت القوم حتى سكنت فورتهم، وهدأت ثائرتهم، ثم قلت لهم: على رسلكم يا قوم اربعوا على أنفسكم، ولا تغضبوا ولا تفزعوا، وتعالوا إلى كلمة سوءا: أليس الطالب هو أساس العمل الجامعي كله؟ أليس هو قطب الرحى وعمود الصورة؟ فلماذا نحقر شأنه وإنما نحن أساتذة به؟ ونحن حين نعلمه ونخرجه إنما نتعلم العلم معه مرة أخرى، ولولاه لصدئت عقولنا وتقصفت أقلامنا، والطالب النابه - ولا زال موجوداً بجامعتنا ومعاهدنا والحمد لله - يستخرج من أساتذه علماً خبيئاً حين يدارسه ويفاتشه، وقد يفتح عليه أبواباً من النظر والعلم كانت موصدة دونه لولا مذاكر ذلك الطالب ومدارسته.
وفي موروثنا الثقافي كان التلميذ النابه يسمى صاحباً لشيخه: فأبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني صاحبا أبي حنيفة، والربيع بن سليمان صاحب الشافعي، وهو ناسخ كتابه العظيم «الرسالة»، وكان الشافعي يقول له: «أنت راوية كتبني»، وابن جني صاحب أبي علي الفارسي، بل قد تتوثق العلاقة وتشتد الآصرة فيصير التلميذ غلاماً لشيخه، كما ترى في أبي عمر الزاهد غلام ثعلب، فالتلاميذ أصحاب لشيوخهم، وتأمل عبارة الشافعي في الليث بن سعد رضي الله عنهما: «الليث أقفه من مالك إلا أن صحابه لم يقوموا به».
فينبغي أن ينظر إلى الطالب على أنه صاحب ومشارك؛ لأن العالم لا يكون عالماً إلا بمتعلم، وينبغي أيضاً أن نحتشد لهذا الطالب احتشاداً، وأن نحبر له الكلام تحبيراً؛ تأليفاً ومحاضرات، وقد أدركنا جيلاً من الأساتذة والأشياخ - في مراحل تعليمنا كلها - كانوا يلقوننا بكثير من الجد والإسماح، ومنهم من كان يدور بعينيه علينا واحداً واحداً، في أثناء المحاضرة، يعطي كلا منا حظه من العناية والنظر، وكأنه يلتمس أمارات الرضا عما يقول، ومواقع القبول لما يلقي، بل إن منهم من كان يصرح فيقول: إيه رأيكم يا ولاد؟ كلام حلو؟ عليه نور؟ وكان أستاذنا عباس حسن رحمه الله إذا خاطب أحدنا في المحاضرة قال: «يا حضرة الأستاذ»، مع أنه كان صاحب كبر وبأوٍ، مع كثير من زملائه، كما كنا نرى - ولا تحتجن علينا بقلة عدد