هارون بن محمد بن المنصور، المعروف بهارون الرشيد، المتوفى سنة 193 هـ، ومعاصره وجليسه الشاعر أبو نواس، الحسن بن هانئ بن عبد الأول بن صباح الحكمي بالولاء، المتوفى سنة 198 هـ.
فأنت قلما تدخل فندقاً إلا وجدت فيه قاعة أفراح باسم هارون الرشيد أو أبي نواس، إلى ما تراه من أسماء الملاهي الليلية والمطاعم ومحلات الحلوى التي اختارت هذين الاسمين عنواناً وشعاراً، بحيث صار ذكر اسمهما جالباً للأفراح والليالي الملاح والمباهج والمسرات.
أما ما وراء ذلك من التاريخ العريض لهذين العلمين، وأثرهما في الحضارة العربية الإسلامية؛ فهو مما لا معرفة لعامة الناس به، بل إن الأمر قد تعدى العامة إلى بعض الخاصة، وإن كنا لا نستطيع في هذا الزمان أن نجد فرقاً حاسماً بين العامة والخاصة، فقد اختلط المرعى بالهمل. واسأل من شئت من طلبة الجامعة، أو من المتخرجين فيها، عن هذين العلمين، ولن تخرج إلا بما يدور حول اللهو والمجون، وما يفضي إليهما وما ينتج عنهما.
على أننا لا نستطيع - حقّاً وصدقاً - أن نحمل العامة وحدهم تبعة هذا الفهم الخاطئ لتاريخ الرجلين، فمن أين جاءهم هذا الفهم، وكيف تتابعوا عليه؟
إن الأمر متصل بقضية كبرى: هي قضية الجرأة على التاريخ، والاستخفاف بأيام الناس، ثم عدم إعطاء العقل حظه من الأناة والتتبع والتحري والصبر على تكاليف الحق والإنصاف، وقهر الهوى الجامح.
ولا تقل إن الأمر في هارون الرشيد وأبي نواس متصل بالأدب الشعبي الذي يستنزل من الشخصيات بعض صفاتها المثيرة فيضخمها ويتخذ منها مادة للتسلية والترويح، كما نرى في «ألف ليلة وليلة» وما إليها. لا تقل هذا؛ لأن التخليط في أمر الرجلين قد امتد إلى تلك الدراسات التي يفترض أن تكون قائمة على البحث الجاد، والنظر الصحيح؛ لأنها تحمل أسماء وعنوانات توحي بالجد والصرامة العلمية.