ذلك هو عصبية المذهب، وهي آكلة القلب، ومغمضة العين، ومطلقة اللسان، لأن الخطيب كان شافعي المذهب، ولذلك عاب عليه ابن خلكان في وفيات الأعيان 5/ 413 مَسْلَكه هذا في ترجمة أبي حنيفة، وقال إنه كان الأليق به تركه والإضراب عنه.
ومن وراء ذلك كله: فإن الكلام في القراءات القرآنية طريق مخوف العواقب، ليس من باب الديانة فقط - وهي عزيزة علينا - ولكن من باب اللغة أيضاً وضروبها المتشبعة الشائكة. ولعل الشاعر الكبير الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي يريح نفسه من الحديث في قضايا اللغة والنحو، فإنها مجلبة للهم، تكد الذهن وتصدع الرأس، والسالك فيها لا يأمن العثرة بن العثرة، والزلة إثر الزلة، والسعيد من وفقه الله.
ثم أختم برجاء صادق إلى الشاعر الأستاذ حجازي - وأنا أخاطبه بالشاعر قبل أي صفة - ألا يحرم قراءه ومحبيه من حديث الشعر والشعراء، وأن يخصص ذلك المكان المتاح له في «الأهرام» للشعر، فيمتعنا بشعره هو، أو يقدم لنا ما يختاره من شعر قديم أو محدث، بالتحليل والدرس والتذوق، فليس أقدر من الشاعر على شرح الشعر. وللشعر بهاء، وللنفس إليه نزوع، وللقلب به علقة. وقد قال الأول:
الشعر نار بلا دخان ... وللقوافي رقى لطيفه
كم من ثقيل المحل سام ... هوت به أحرف خفيفه
وكان أبو علي الفارسي إمام النحاة في القرن الرابع، يقول وقد جرى ذكر الشعر بحضرته: «إني لأغبطكم على قول الشعر! فإن خاطري لا يوافقني على قوله، مع تحققي بالعلوم التي هي من موادَّه».
ولم نر شاعراً اشتغل بقضايا اللغة والنحو والصرف، إلا أن يكون أبا العلاء، من مثل أبي العلاء؟ ولقد أسعدني زماني بمعرفة الشاعر العظيم محمود حسن