وذلك أنه على حذف المفعول، أي: والذين يَتَوَفَّوْن أيامهم أو أعمارهم أو آجالهم، كما قال سبحانه: {فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم} [المائدة: 117]، و {الذين تتوفاهم الملائكة} [النحل: 28]، وحذف المفعول كثير في القرآن وفصيح الكلام، وذلك إذا كان هناك دليل عليه، قال الله تعالى: {وأوتيت من كل شيء} [النمل: 23]- أي شيئًا -. انتهى كلام ابن جني.
وقد رُوي أيضاً عن الأعمش أنه قرأ قوله تعالى: {ومنكم من يتوفى} [الحج: 5] بفتح الياء، وحكاه أبو حاتم السجستاني، كما ذكر ابن خالويه في شواذ القراءات ص 94، فهذا الذي يجري على ألسنة العامة ليس خطأً مخضاً، وإن لم يكن هو الأفصح، قال ابن هشام اللخمي: «وإذا كان في الكلمة لغتان وكانت إحداهما أفصح من الأخرى فكيف تُلَحَّن بها العامة وقد نطقت بها العرب، وإنما تُلَحَّن العامة بما لم يُتكلم به».
على أن هذا التوجيه الذي يُسوغ استعمال «تَوَفَّى» مبنّياً للفاعل لا ينبغي أن يُقبل إلا من عارف به مُطيق لوجه الكناية فيه. قال الإمام السكاكي في مفتاح العلوم ص 98: «فإن جوهر الكلام البليغ مثله مثل الدرة الثمينة، لا ترى درجتها تعلو ولا قيمتها تغلو ... ما لم يكن المستخرج لها بصيراً بشأنها، والراغب فيها خبيراً بمكانها، وثمن الكلام أن يوفى من أبلغ الإصغاء وأحسن الاستماع حقه، وأن يتلقى من القبول له والاهتزاز بأكمل ما استحقه، ولا يقع ذلك ما لم يكن السامع عالماً بجهات حسن الكلام، معتقداً بأن المتكلم تعمدها في تركيبه للكلام عن علم منه، فإن السامع إذا جهلها لم يُميز بينه وبين ما دونه، وربما أنكره، وكذلك إذا أساء بالمتكلم اعتقاده ربما نسبه في تركيبه ذلك إلى الخطأ، وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة، ومما يشهد لك بهذا ما يروى عن علي رضي الله عنه أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل: من المتوفي؟ بلفظ اسم الفاعل، سائلًا عن المتوفَّى، فلم يقل: فلان، بل قال: الله، رداً لكلامه عليه مخطئاً إياه، منبهاً له بذلك على أنه كان يجب أن يقول: من المتوفَّى، بلفظ اسم المفعول ... وما فعل ذلك كرم الله وجهه إلا لأنه