على أن الشيخ مصطفى يخالف قرَّاء زمانه في خفض الصوت عند آيات الإنذار وذكر الموت.
واستمع إليه في تسجيل نادر لسورة آل عمران في قوله تعالى: {كل نفسٍ ذائقة الموت} [آل عمران: 185]، فهو يرفع صوته عالياً في {ذائقة} ثم يقف على {الموت} بنفس الطبقة العالية في صراخ مُزلزل كأنه صراخ ثكالى فقدن عزيزاً أو تذكرن غائباً وتكاد التاد المهموسة حين يصرخ بها تنقلب إلى حرف مجهور يكاد يخرق صماخ الأذن، ثم تأمل أيضاً وقفه على قوله تعالى في سورة يوسف: {رأينه أكبرنه} [يوسف: 31]، كيف وقف على الهاء في {أكبرنه} وقفاً مضيئاً ساطعاً يجسد لك انبهار النسوة ودهشتهن لجمال يوسف عليه السلام.
ويبقى شيء، أرجو أن يأذن لي أستاذنا النجمي في مناقشته، وذلك ما ذكره في ص 24: «أن المسلمين في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين كانوا يقرأون القرآن بحسب لغاتهم المتعددة، وأفصحها سبع لغات»، ثمَّ ذكر حديث: «إنَّ هذا القرآن نزل على سبعة أحرف» ولي على ذلك بعض الملاحظات:
أولًا: إنَّ سياق الكلام على هذا النحو قد يوحي إلى بعض من لا معرفة لهم بعلوم القرآن أن المسلمين كانوا يقرأون بهذه اللغات السبع باختيارهم ومن عند أنفسهم تبعاً لما ألفوه من أعرافهم اللغوية، ومعلوم أن القراءة أثر واتباع، لا رأي واجتهاد، وأن جبريل عليه السلام قد نزل بهذه اللغات كلها فأقرأها الرسول صلى الله عليه وسلم أمته.
ثانياً: أن صحَّة الرواية «أُنزِل على سبعة أحرف» بالبناء للمجهول، وليست «نزل».
ثالثًا: أنَّ تفسير الأحرف السبعة الواردة في الحديث بأنها سبع لغات من لغات العرب، هو أحد التفسيرات، وهو مردود عليه. ويرى بعض المحققين أن أمثل ما جاء في بيان معنى الأحرف السبعة هو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني، فقد قال في فتح الباري 9/ 23 (طبعة السلفية) «باب أنزل القرآن على سبعة أحرف: أي على