الثقافية بجامعة الدول العربية بالقاهرة، وقد كان يحدو المنشئين له، والقائمين عليه، غرض نبيل: وهو تلمس المخطوطات العربية في مظانها، وتصويرها، ثم فهرستها، ووضعها أمام الدارسين.
وقد رسم معهد المخطوطات لنفسه منهجاً دقيقاً، فأقام لجنة عكفت على موسوعة «بروكلمان» العظيمة «تاريخ الأدب العربي» واستخرجت نفائس المخطوطات، وأسماء المكتبات التي تحتفظ بها، وكان من أعضاء هذه اللجنة أستاذنا الكبير الدكتور خليل عساكر، والمرحوم الدكتور عبد الحليم النجار، وهما من هما في فقه العربية والألمانية، والدكتور عبد الحليم رحمه الله، كان من فضلاء هذا الزمان، وهو مترجم كتاب «العربية» ليوهان فك، وقد ترجم، أيضاً، للإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية، الأجزاء الثلاثة الأولى من «تاريخ الأدب العربي» لبروكلمان، ثم أعجلته المنية عن إتمامه، وهو أيضاً شقيق الشيخ محمد علي النجار، الذي كان يقال له: سيبويه العصر، وهو محقق «الخصائص» لابن جني، وقد أخبرني المرحوم فؤاد سيد - وكان مخالطاً للرجلين - أن معرفة الدكتور عبد الحليم بالنحو العربي قد تفوق معرفة أخيه، على جلالة قدره.
تنبيه: «ما أكتبه عن تاريخ معهد المخطوطات إنما أكتبه عن قرب ومعايشة؛ لأني قد علمت فيه نحو خمس عشرة سنة، لكن أستاذي الكبير الدكتور خليل عساكر أخبرني أن الذي اشترك معه في لجنة «بروكلمان» هو الدكتور عبد العزيز الأهواني، رحمه الله، وكان هذا من رواد الدراسات الأندلسية في العالم العربي».
وأعود إلى ما كنت آخذاً فيه، فأقول:
انصرف رجال معهد المخطوطات إلى عملهم الجاد في صمت وصبر، وكان المقابل المادي زهيداً جداً، وإن تعجب فعجب أن الواحد منا، الآن، يكتب صفحتين اثنتين، أو يذيع حديثاً مدته عشر دقائق عن التراث، ويتقاضى عن هذا وذاك ما كان يتقاضاه، هؤلاء الأعلام في شهور! وسبحان من قدر الأرزاق، وقسم الحظوظ:
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى ... ولكنْ أحاظٍ قسَّمت وجدود