المكتبة العربية كلها، فعدة المحقق هي الكتب في كل فن، لأنه في كل خطوة يخطوها مع النص مطالب بتوثيق كل نقل، وتحرير كل قضية، بل إن المحقق الجاد قد يبذل جهداً مضنياً لا يظهر في حاشية أو تعليق، وذلك حين يريد الاطمئنان إلى سلامة النص واتساقه، ولا يشفع له إذا كبا أو تعثر أنه متخصص في النحو فقط، أو في البلاغة فقط، فلا بد أن يكون على صلة باللغة والنحو والتفسير والحديث - متناً وسنداً - وعلم الكلام، والأصول والفقه، والأدب والبلاغة والعروض والتاريخ والبلدان (الجغرافيا) وسائر فروع العلم، إن لم يكن من طريق الإلمام الكامل - وهذا شاق بلا ريب - فمن طريق الأنس بكتب هذه الفنون، والدُّربة على التعامل معها والإفادة منها، ومعرفة مظنة العلم نصف العلم.

وعلى ذلك فإن طالب الدراسات العليا حين يحقق نصاً تراثياً على هذا النحو، إنما يقول مادة علمية محررة، تقوم عليها دراسات الدراسين، فلا دراسة صحيحة مع غياب النص الصحيح المحرَّر. وكم رأينا من دراسات انتهت إلى نتائج غير صحيحة، لأنها اتكأت على نصوص محرفة، وأوضح ما نرى هذا في الدراسات الشعرية التي قامت على دواوين شعرية غير محققة.

والتحقيق في اللغة: التصديق أو قول الحق، والإحقاق: الإثبات، يقال: أحققت الأمر إحقاقًا: أي أثبته وأحكمته وصححته. والجاحظ يسمي العلماء الأثبات: العلماء المحقين. (رسالة فصل العداوة والحسد - رسائل الجاحظ 1/ 339)، والشريف الرضي يسمَّيهم «العلماء المحققين» (حقائق التأويل ص 20).

والتحقيق في اصطلاح نشر التراث: «هو أن يؤدَّى الكتاب أداءً صادقاً كما وضعه مؤلفه كماً وكيفاً بقدر الإمكان»، والكتاب المحقق: «هو الذي صح عنوانه واسم مؤلفه ونسبة الكتاب إليه، وكان متنه أقرب ما يكون إلى الصورة التي تركها مؤلفه».

ولتحقيق هذه الغاية لا بد من إجراءات علمية تدور على النقاط التالية:

1 - تحقيق عنوان الكتاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015