وأنشدها المنشدون. ومنهم ابن زريق صاحب القصيدة العينية البديعة التي يسمع المحب فيها رجع أناته، ويحس الغريب منها لذع الغربة يكوي فؤاده ويشده إلى مراتع صباه ومراتع لهوه، ويغذي الصوفي بها مواجيده وأشواقه، ثم يجد فيها قارئ الشعر متعته بما يسري فيها من نغم علوي وإيقاع آسر.
وقد شرَّقت هذه القصيدة وغرَّبت، وعُدَّ حفظها من أسباب الظرف. روى أبو عبد الله الحميدي المتوفى سنة 488 هـ، عن الإمام أبي محمد بن حزم، قال: «يقال: من تختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وحفظ قصيدة ابن زريق فقد استكمل الظرف» (?).
وابن زريق صاحب هذه القصيدة هو: أبو الحسن علي بن زريق الكاتب البغدادي، عاش في بغداد ثم رحل إلى الأندلس وبها توفي. ولم أجد له ترجمة تعين تاريخ مولده أو وفاته. ويرى المستشرق الألماني كارل بروكلمان (?) أنه توفي نحو سنة 420 هـ، وقد أورد له صلاح الدين الصفدي (?) ترجمة موجزة جداً، ذكر فيها أنه أنشأ هذه القصيدة في مدح العميد أبي نصر وزير طغرلبك. وأبو نصر هذا هو: عميد الملك الوزير محمد بن منصور الكندري المتوفى سنة 456 (?)، لكن أبا حيان التوحيدي أنشد بيتين من قصيدة ابن زريق لم ينسبهما، وهما قوله:
أستودع الله في بغداد لي قمرا ... بالكوخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودَّي لو يودعني ... صفو الحياة وإني لا أودعه (?)