ولئن قبلت هذه المقالة في القرون الأولى للتصنيف، فإنها بحاجة إلى مراجعة فيما تلا ذلك من قرون. ولقد كان ظهور القاضي أبي الفضل عياض بن موسى اليحصبي السبتي المولود بمدينة سبتة - رد الله غربتها - سنة 476 هـ، والمتوفى بمدينة مراكش سنة 544 هـ، إيذاناً باستقلال الشخصية المغربية وامتلاكها لناصية البيان وإسهامها في جلاء وجه الثقافة الإسلامية، وعياض ركن من العلم باذخ، وله طرائق في العلم مأنوسة، كتب الكثير، وتمثل تآليفه إضافات هامة في تاريخ الفكر الإسلامي، وقد رزقت مصنفاته من الحظوة وحسن القَبول والتلقَّي ما لم يرزقه مؤلف مغربي آخر (?). ومما يشيع على ألسنة المغاربة قولهم: «لولا عياض لما ذكر المغرب». ويقول شاعرهم:
كلهم حاولوا الدواء ولكن ... ما أتى بالشفاء إلا عياض
والمعنى الثاني المراد من التورية في قوله: «بالشفاء» هو كتاب عياض الجليل: «الشفا في التعريف بحقوق المصطفى»، أشهر وأسير كتب الشمائل النبوية.
تتابعت جهود المغاربة في التصنيف عالية شامخة وبدءاً من القرن السادس لم يعد للمشارفة فضل سبق عليهم، بل نراهم قد زاحموا المشارقة على فنين عظيمين من فنون التراث: علم القراءات، وعلم النحو.
أما علم القراءات فعنايتهم به قديمة، وتصانيفهم فيه مبسوطة، ويرى الأستاذ الدكتور عبد العزيز الأهواني أن: هذا هو الميدان الوحيد الذي سيطر عليه المغاربة سيطرة تامة (?).
وبحسبنا أن نذكر من فرسان هذا الميدان: أبا عمرو الداني ومكي بن أبي طالب وأبا العباس المهدوي وإسماعيل بن خلف، وغيرهم كثير تراهم في فن