هناك دوافع طبعية تدفع الإِنسان إلى تحقيق مراده، وليس كلّ الدوافع الطبعية سيئة ولا قبيحة، بل كثير منها أوجده الله في الإنسان كي يندفع اندفاعًا ذاتيًا لتحقيق مراده الذي تقوم حياته له، ولو لم يخلق الله له هذه الدوافع لما سعى في طلب الرزق، ولما تناول الطعام ولما سعى للزوجة ... وقد لاحظ جمع من العلماء (?) أنّ الأمور التي لها دواع طبعية مغروسة في أعماق النفس الإنسانية اكتفى الشارع بشرعها، ولم يقم الدواعي إلى فعلها اكتفاء بالدوافع الداخلية، فهي وحدها كافية في الإلحاح على صاحبها كي ينال مراده منها، ولو قدّر أنّ بعض الناس أراد أن يعمل على تقويض مطلوبات النفوس وتحريمها، كالزواج والطيبات من الطعام ... فإنَّ الشارع يمقت فعلهم هذا، ويعدّه جريمة نكراء.
أماّ الأفعال التي تكرهها النفوس وتنفر منها، والشارع يريد من الِإنسان تحقيقها والقيام بها، فإنَّ الشارع يحدث لها من الدواعي بمقدار كراهيتها لها، ونفارها منها، ويكفي أن نعود إلى كتب الترغيب والترهيب، لنعلم ما أعدّه الله للذين يؤدّون الواجبات، ويكثرون من المستحبّات من أجر عظيم، وجزاء كريم، عندما تسمع به القلوب وتعيه فإنّه يستهويها، ويملك عليها أمرها، فلا تملك إلا أن تندفع إلى تحقيق ما طلب منها.
والناظر في سير الصالحين من هذه الأمّة يعجب من صبرهم على البأساء والضراء، وبذل أنفسهم في سبيل الله، لا يرهبون الردى، ولا يقيمون وزنا للأواء والآلام.