يعجب الناظر من صبرهم على السهر الطويل يصلّون ويستغفرون، ومن بذلهم الكثير والقليل، لا يطلبون جزاء ولا شكورا، ومن امتناعهم عن محبوبات النفوس صائمين في شهور الحرّ ذات النهار الطويل، وما ذلك إلاّ لأنهم علموا عن الله وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جعل الله لمن استقام على شرعه، فلم جدوا سبيلا إلا في القيام بما أراد الله منهم مريدين نيل وعد الله.
ولقد رأينا الشارع يزيد من الدواعي والترغيب بما يوازي الدواعي الكبيرة التي تدعو إليها النفس والشيطان، بحيث يمنع النفس الأمارة بالسوء، والشيطان الذي يحسّن القبائح للإنسان؛ من السيطرة على قلب الإنسان ولبّه بحيث تكون الغلبة لهما.
فالأعمال التي تنفر منها النفوس، ويشق القيام بها عند بني الِإنسان، يقيم الله لها الدواعي التي تجعلها خفيفة على النفوس، تسعى إليها عن رضا وطواعية.
وهذا مهج بيّن لمن استقرأ نصوص الكتاب والسنّة، ولذلك وصف الله كتابه
بالتبشير والإنذار {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا}. (?)
ووصف رسوله -صلى الله عليه وسلم- بهاتين الصفتين: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} (?).