والسبب في هذا الاختلاف يعود إلى الجهل الذي لا يستطيع الِإنسان أن يتخلص منه مهما أوتي من علم، فكثير من النَّاس يطلب أمورا ويكون في تحقيقها دمارهم وهلاكهم، وآخرون يظنون أن الشقاء يكمن في فعل أمور والسعي إليها، فينفرون منها نفور حمر الوحش من الأسد، وواقع الأمر أنَّ السعادة والصلاح في تحقيق هذه الأمور.
وهذا الجهل عائد إلى قلّة العلم بحقائق الأمور وبواطنها، وقلة العلم بالعواقب والنتائج، أضف إلى هذا أنَّ ما وراء الحياة الدنيا غيب لا يدركه الِإنسان، فنظرة الإنسان نظرة محكومة بالدنيا، لا تتجاوزها إلى ما وراءها، لقصور علم الإنسان في هذا إذا اعتمد على نفسه.
ويقترن بالجهل ظلم النفس وطغيانها، فالنفوس بما حببّ إليها من الملذات العاجلة المرئية تتعامى عن الخير الحقيقي الذي يجب أن تقصده {بَلْ تُؤثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (?).
من أجْل ذلك آثر كثيرون النفع الماديَّ وشهوات الدنيا التي تروي أهواء النفوس، وتركوا الآخرة وراءهم ظهريّا لأنّها تحتاج إلى جهد مبذول ومخالفة لأهواء النفوس.
ومن أجل عدم قدرة الإِنسان على التعرف على السبيل الأقوم والمقصد الأسمى كانت الرسالات، وجاءت النبوات تجلّي له الحقائق وتبصره بالغاية والنهاية.