ومنشأ التصوف كان بالبصرة بالعراق، وكان فيها من يسلك طريق العبادة والزهد وله زيادة اجتهاد في ذلك (?). ثم أصبح التصوف مصطلحًا "لمجاهدة النفس ورياضتها للخروج بها عن الأخلاق الرذيلة والدخولط بها في الأخلاق الحميدة والخصال الحسنة" (?).
وكان أوائل الصوفية يقرون بأن اعتمادهم وتعويلهم على الكتاب والسُّنَّة. ومن أقوال أوائل المتصوفة في ذلك:
يقول الجنيد: "مذهبنا هذا مقيَّد بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". ويقول آخر: "أصل التصوف ملازمة الكتاب والسُّنَّة وترك الأهواء والبدع".
ويقول ثالث: "أصولنا ستة أشياء: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، وأداء الحقوق" (?).
وكثير مما تكلم فيه أوائل المتصوفة في تعريف التصوف وحقائقه، ومقاماته وأحواله وسيرته وأخلاقه، مما له أصول في الكتاب والسُّنَّة فأصل التصوف نوع من الاجتهاد في إحسان العبادة، فمن الخطأ ذم التصوف مطلقًا.
ثم إن التصوف بعد ذلك يتشعب ويتنوع، ورويدًا رويدًا دخلته أخطاء وانحرافات، وانتسبت إليه جماعات ضلت باسمه وأضلت.
الغزالي والتصوف:
يعتبر الغزالي نفسه من كبار المتصوفة في الإسلام، بل إن ابن تيمية يرى أن علم التصوف عند الغزالي "هو أجل علومه وبه نبل" (?). وإقبال الغزالي على التصوف كان أحد المنعطفات البارزة في حياته. وقد ترجم الغزالي لهذه الفترة من حياته بقلمه (?)، وبين الظروف والبواعث التي دفعت به إلى التخلي عن مركزه الاجتماعي المرموق والتفرغ لدراسة التصوف وممارسته عمليًا. ودامت هذه العزلة إحدى عشرة سنة، عاد بعدها إلى التدريس والتأليف، وكان من آثارها أن ألَّف الغزالي إنتاجه العلمي الكبير "إحياء علوم الدين".