وكتاب "إحياء علوم الدين" من أكبر مؤلفات الغزالي، وأهمها وأكثرها ذيوعًا وتأثيرًا. ونقتطف هنا بعض ما ذكره الغزالي في المقدمة مما يلقي الضوء على محتويات الكتاب والموضوعات التي بحثها (?):
قسم الغزالي كتابه إلى أربعة أقسام، سمى كل قسم منها ربعًا، وهذه الأقسام هي: ربع العبادات، وربع العادات، وربع المهلكات، وربع المنجيات. وتحدث في القسم الأول عن خفايا آداب العبادات ودقائق سننها وأسرار معانيها، وشمل هذا القسم طرفًا من فضائل العلم ومن قواعد العقائد. وتحدث في القسم الثاني عن أسرار المعاملات الجارية بين الخلق وأغوارها، ودقائق سننها وخفايا الورع في مجاريها. وتحدث في القسم الثالث عن الأخلاق المذمومة، التي جاء ذمها في القرآن مبيِّنًا حقيقتها وتعريفها وأسبابها وبواعثها وعلاماتها وطرق علاجها. وتحدث في القسم الرابع عن الأخلاق المحمودة وخصال المؤمنين والصديقين، ذاكرًا في كل خصلة تعريفها وحقيقتها وأسبابها التي بها تنال وثمراتها وفوائدها. ويصف الندوي الكتاب قائلًا: "وقد أصبح كتاب الإحياء بذلك كله كتاب إصلاح وتربية، وكأن المصنف حاول أن يكون هذا الكتاب كمرشد ومرب، مغنيًا عن غيره قائمًا مقام المكتبة الإسلامية، لذلك جعله يحتوي على العقائد والفقه وتزكية النفس وتهذيب الأخلاق" (?).
وقد استمد الغزالي كتاب الإحياء من مصادر التصوف السابقة له (?)، مع ما زاده من قبل نفسه وفكره، وكتبه بعاطفة صادقة وعبارات قوية، جعلت للكتاب تأثيرًا بيِّنًا على النفوس يحدث فيها تحولًا عجيبًا. وقد أثار هذا الكتاب منذ ظهوره ضجة كبيرة، وتطرف بعض الناس في قبوله والإعجاب بكل ما فيه، وتطرف آخرون في رفضه، حتى وقعت في بلاد المغرب خاصة بسبب هذا الكتاب فتن كثيرة وتعصب، أدى إلى أنهم كادوا يحرقونه، وربما وقع إحراق يسير (?).