نقد الباطنية:
الطائفة الثالثة التي حاربها الغزالي هي طائفة الباطنية، والباطنية من الحركات السرية في الإسلام، وقد كان لها آثار خطيرة في التاريخ الإسلامي. وظهر هذا المذهب بأسماء مختلفة على اختلاف العصور والأزمنة. وسبب هذه التسمية أن هذه الطائفة تدعي أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن، وأن الجهال والأغبياء هم الذين يقفون عند ظاهرها، أما العقلاء والأذكياء فالنصوص عندهم رموز وإشارات إلى حقائق خفية. وهذا ينطبق على كل شيء في الدين من تفاصيل العقائد إلى تفاصيل التكاليف الشرعية (?)، ولهم تأويلات لهذه الظواهر لا ضابط لها ولا معيار، والمرجع الوحيد لهذه التأويلات هو الإمام المعصوم. وهم يرون أنه لابد في كل عصر من إمام معصوم، يرجع إليه في تأويل الظواهر وحل الإشكالات في القرآن والأخبار والمعقولات، وهو وحده المتصدي لهذا الأمر. وهذا الإمام جار في نسبهم لا ينقطع أبد الدهر (?).
وقد كانت للباطنية طوائف كثيرة لها أسماء حسب العصر والمكان، ومن أشهر طوائفهم: الإسماعيلية، والقرامطة، والبابكية، والدروز، والنصيرية (?). وأهم هذه الطوائف من الناحية السياسية طائفة الإسماعيلية، إذ أقاموا الدولة الفاطمية في عام (296 هـ) التي بسطت نفوذها على شمال إفريقيا ومصر والشام واليمن وظلت دولتهم قائمة حتى عام (564 هـ) (?).
أما ما قام به الغزالي في محاربة هذه الطائفة التي كان أمرها مستفحلًا في عصره، فيتمثل في أنه بعد أن تعمق في دراستها ألف في الرد عليها كتابًا أسماه "فضائح الباطنية". وقد كان تأليف هذا الكتاب بأمر الخليفة العباسي آنذاك المستظهر بالله (487 - 512 هـ)، ولهذا فالكتاب يعرف أيضًا باسم "المستظهري" (?). وقد ذكر الغزالي أنه ألَّف كتبًا أخرى في الرد على الباطنية (?).