عليهم، فينبغي أن يستعمل مع هؤلاء خاصة لأنهم مرضى وعلم الكلام لهم دواء. يقول:

". . . فإن الأدوية تستعمل في حق المرضى وهم الأقلون، وما يعالج به المريض بحكم الضرورة يجب أن يوقى عنه الصحيح، والفطرة الأصيلة الصحيحة معدة لقبول الإيمان دون المجادلة وتحرير حقائق الأدلة، وليس الضرر في استعمال الدواء مع الأصحاء، بأقل من الضرر في إهمال المداواة مع المرضى، فليوضع كل شيء موضعه" (?).

ويضع الغزالي في نقده لعلم الكلام إصبعه على أمر في غاية الأهمية، وذلك هو الطريقة الصحيحة لعرض مسائل العقيدة الإسلامية والاستدلال لها. وهذه الطريقة هي طريقة القرآن، ذلك أن القرآن يشتمل على أدلة وحجج عقلية فيها البرهان الكافي للعقائد، فينبغي عرضها وبسطها وتوضيحها والاكتفاء بها في تقرير أمر العقيدة. ويتحدث الغزالي موضحًا هذه الحقيقة مؤكدًا أن حجج القرآن العقلية كافية للعقول السليمة والفطر الصحيحة فيقول:

"فأدلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان، وأدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويتضرر به الأكثرون، بل أدلة القرآن كالماء الذي ينتفع به الصبي الرضيع والرجل القوي، وسائر الأدلة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مرة، ويمرضون بها مرة أخرى" (?).

ويضرب بعض الأمثلة من طريقة القرآن في الاستدلال فيقول: "فمن الجلي أن من قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدر كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]، وأن التدبير لا ينتظم في دار واحدة بمدبرين فكيف ينتظم في كل العالم إشارة لقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، وأن من خلق عَلِمَ كما قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14]، فهذه الأدلة تجري من العوام، مجرى الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015