وأصبحوا ينظرون إليها بعيون مبصرة، بعد أن كانوا يقبلون عليها بعيون مغلقة، وزال عن الفلسفة ذلك البريق الذي كان يدفع الناس للانفلات من الدين إعجابًا بها؛ بل تراجعت الفلسفة إلى موقف الدفاع، ويمثل هذا الموقف كتاب ابن رشد (520 - 595 هـ) "تهافت التهافت"، وأصبح الاتجاه النقدي للفلسفة اتجاهًا مؤثرًا، انجذبت له عقول كبيرة من مثل الإمام ابن تيمية (661 - 728 هـ)، وخلّف هذا الاتجاه إنتاجًا علميًا قويًا صحح مسيرة التفكير عند المسلمين.
نقد علم الكلام:
يرى الغزالي أن علم الكلام قد انحرف عن الغاية التي من أجلها نشأ، ويتحدث عن نشأة علم الكلام فيرى أن القرآن والحديث قد اشتملا على العقيدة الحقة، ولكن من الناس من انحرف عن هذه الطريقة، واخترع أمورًا في العقائد مخالفة للسُّنَّة، وكاد هؤلاء أن يشوشوا العقيدة الصحيحة على أهلها، فأنشأ الله طائفة المتكلمين لنصرة السُّنَّة بكلام مرتب وكشف تلبيسات أهل الانحراف. هذه هي غاية علم الكلام في نظر الغزالي. وقد اعتمد علم الكلام في إثبات تناقضات الآراء المنحرفة، على نفس البراهين التي استعملها أصحابها في إثباتها. ثم إن الغزالي يرى أن علم الكلام قد حاد عن هذا الهدف وصار هو بنفسه محاولة لإثبات عقائد الدين بالبراهين التي استمدها من مجادلة المنحرفين، وهذه البراهين تصلح لنقض باطل المنحرفين ولكنها لا تصلح لإثبات عقائد الدين. يقول الغزالي مبيِّنًا هذا الرأي:
"لما نشأت صنعة الكلام وكثر الخوض فيه وطالت المدة، تشوف المتكلمون إلى محاولة الذب عن السُّنَّة بالبحث عن حقائق الأمور، وخاضوا في البحث عن الجواهر والأعراض وأحكامها، ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهم، لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوى، فلم يحصل منه ما يمحق بالكلية ظلمات الحيرة" (?).
ولهذا يرى الغزالي أن علم الكلام ينبغي أن يوضع في موضعه ويشتغل بالغاية التي من أجلها نشأ، وهي مجادلة أصحاب الانحرافات والشبهات والرد