المنحرفين بسلاحهم، وهو وإن لم يكن أول من ابتدأ هذه الطريقة في الرد على أصحاب الآراء الشاذة بالحجج العقلية؛ لأنهم كانوا يزعمون أن العقل سندهم وحجتهم، إلا أنه كان رائدًا من رواد هذه المدرسة، وهو يُعد أحد مؤسسي علم الكلام السُّنِّي، الذي كانت غايته وهدفه الرئيس إثبات أن الحجج والبراهين التي تستند عليها المذاهب المنحرفة والمبادئ الهدامة حجج واهية.
وقد كانت الاعتراضات تثار حول هذا الأسلوب، ولا تزال تثار، وتختلف حوله وجهات النظر، ولا ينال الاستحسان والإعجاب من كل مفكري المسلمين. وقد ألّف أبو الحسن الأشعري نفسه رسالة بعنوان: "استحسان الخوض في الكلام" (?)، يصوب فيها أسلوبه واتجاهه.
وعلم الكلام هو علم الجدل الذي نشأ على يد الفرق الضالة للدفاع عن أفكارها وآرائها. ومهما كان الاختلاف في الاشتقاق اللغوي لاسم هذا العلم (?)، إلا أن من الثابت أنه قد ابتدأ على يد الفرق المنحرفة بدءًا بالخوارج وانتهاءً بالمعتزلة. فهو السلاح الفكري الذي اخترعته هذه الفرق في محاولة لإقامة فكرهم على أسس وقواعد من العقل.
ولما كانت العقائد الإسلامية إنما تستند حقائقها والحجج العقلية المثبتة لها على القرآن والسُّنَّة، فقد كره السلف هذه الطريقة الخاطئة التي اتبعها المنحرفون في الجدل عن أمور العقيدة، وعابوا عليهم أنهم تركوا الكتاب والسُّنَّة، واعتمدوا على حجج لا تثبت في ميزان النقد العقلي الصحيح، وإن ادعى أصحابها أنها عقلية. وهناك مقولات كثيرة لأئمة الدين تشن حملة قوية على علم الكلام، نسوق منها على سبيل المثال قول الشافعي وهو أحد المجددين إذ يقول:
"حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد، ويحملوا على الإبل، ويطاف بهم في العشائر والقبائل، وينادى عليهم: هذا جزاء من ترك الكتاب والسُّنَّة، وأقبل على الكلام" (?).
ويعقب البيهقي على كلام الشافعي هذا قائلًا: "وكانوا في القديم إنما