يعرفون بالكلام أهل الأهواء، فأما أهل السُّنَّة والجماعة فمعولهم فيما يعتمدون الكتاب والسُّنَّة" (?).

ثم بدأ أخذ هذا العلم في مرحلة لاحقة يأخذ اتجاهًا جديدًا، تمثل في الرد على الفرق الضالة ودفع شبهاتهم بنفس الحجج العقلية التي كانوا يسندون بها آراءهم مستعملين بذلك نفس سلاحهم. وابتدأ هذا الدور على يد أمثال عبد الله بن سعيد الكلابي وأبو العباس القلانسي والحارث بن أسد المحاسبي (?)، وجاء في قمة من اتبع هذه الطريقة الإمام أبو الحسن الأشعري، الذي تصدى لتصحيح الانحرافات متبعًا هذا الأسلوب. وأصبح ذلك هو الهدف من علم الكلام في صورته الأخيرة. ويوضح أحد الكُتَّاب هذا الوضع الجديد لعلم الكلام فيقول:

"اعلم أنا لا نأخذ الاعتقادات الإسلامية من القواعد الكلامية بل إنما نأخذها من النصوص القرآنية والأخبار النبوية، وليس القصد بالأوضاع الكلامية إلا دفع شبه الخصوم والفرق الضالة عن الطرق الحقيقية، فإنهم طعنوا في بعض منها بأنه غير معقول، فبيِّن لهم بالقواعد الكلامية معقولية ذلك البعض" (?).

المعتزلة والفلسفة:

وإذا كان علم الكلام يمثل أحد المنعطفات المنحرفة لتناول مسائل العقيدة، فقد واجهت العقائد منعطفًا آخر كاد يحرفها عن وجهتها الصحيحة، وذلك هو الفلسفة اليونانية الوافدة. ورغم أن نقل الفلسفة اليونانية قد ابتدأ قبل عهد المأمون العباسي، إلا أن هذا النقل قد اتسع جدًا في أيامه (?). وفي أثناء فورة الحماس لنشر مذهب الاعتزال بكل الوسائل قويت الصلة بين العقلية الإسلامية والفلسفة اليونانية، فاندفعت الفلسفة في اتجاه خاطئ، وأصبحت مباحث الوثنية اليونانية في الإلهيات مصدرًا جديدًا لمباحث العقائد الإسلامية. وطالع شيوخ المعتزلة كتب الفلاسفة حين نشرت وخلطوا مناهجها بمناهج علم الكلام (?)،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015