الأشعري وتصحيح الانحرافات:

من المجددين الذين لهم جهود كبيرة في تصحيح الانحرافات، الإمام أبو الحسن الأشعري (270 - 324 هـ). والعمل الأساسي الذي قام به هو تصديه لتيار الانحرافات الداخلية في المجتمع المسلم في عصره والتي كانت تتمثل في فرقة المعتزلة. وكانت هذه الفرقة قد ظهرت في أواخر أيام الدولة الأموية، ومؤسسها هو واصل بن عطاء (80 - 131 هـ) وزميله عمرو بن عبيد (80 - 144 هـ). وسبب تسميتهم بهذا الاسم هو مخالفة مؤسس الفرقة لأحد كبار التابعين في عصره وهو الحسن البصري (ت 110 هـ) واعتزاله لمجلسه، ومن ثم اعتزالهم وشذوذهم عن جماعة المسلمين. وقد استوعبت هذه الفرقة كثيرًا من انحرافات الفرق التي سبقتها وتبنتها وكانت من أقواها تيارًا. وتبلورت أفكارهم في خمس نظريات أساسية، صاغوها تحت شعارات براقة، فقد كان من مبادئهم التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشرحوا هذه المبادئ بطريقتهم الخاصة لا كما عرفها المجتمع المسلم منذ عهد الصحابة (?). وبلغت هذه الفرقة أوج قوتها في عهد المأمون (170 - 241 هـ) أحد خلفاء صدر الدولة العباسية، الذي كان منتسبًا إليهم وسعى بقوة السلطة لأن يجعل الاعتزال مذهب الدولة (?). ورغم أن شوكة المعتزلة وسطوتهم السياسية قد انكسرت بفضل تضحيات الإمام أحمد بن حنبل وصموده، وصمود أقرانه من علماء الأمة، في معارضة هذه الفرقة، إلا أنهم مع فقدهم النفوذ السياسي كانت لا تزال رؤوسهم مرفوعة ودعوتهم قوية وأصواتهم عالية بفكرهم وآرائهم.

وأبو الحسن الأشعري نفسه كان أحد مفكري المعتزلة الكبار، نشأ في بيت شيخهم في عصره أبي علي الجبائي. وبفضل مواهب الأشعري وحدة ذكائه أصبح ينوب عن أستاذه في مجالس المناظرات وكان قويًا في المجادلات وذا إقدام على الخصوم (?)، وبجانب المناظرات بدأ يؤلف الكتب دفاعًا عن مذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015