والانحراف في الدين نوعان (?): انحراف فكري وانحراف سلوكي.
أما الانحراف الفكري فهو خطأ في الإدراك والتصور، بحيث لا يرى المرء الحق، أو يراه على خلاف ما هو عليه، وصاحبه يظن الصواب خطأ، والخطأ صوابًا، ويرى الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا. وهذا النوع من الانحراف يؤثر في الاعتقادات والمفاهيم، ويغير ويبدل في أسس الدين ومبادئه.
أما الانحراف الثاني فهو انحراف ناشئ عن الشهوات والميل إليها، وهذا النوع من الانحراف هو ضعف في العزيمة والإرادة، يؤثر في الأخلاق والأعمال، مع بقاء المبادئ والمفاهيم صحيحة سليمة.
وحسب تعبير السلف يسمى الانحراف الفكري انحراف (بدعة) ناشئ عن (شبهة)، أما الانحراف السلوكي فهو انحراف (معصية) ناشئ عن (شهوة). والنوع الأول من الانحراف أخطر من النوع الثاني؛ لأن انحراف الأفكار والمبادئ يؤدي حتمًا إلى انحراف السلوك والأخلاق، كما أن صاحبها من النادر أن يرجع إلى الحق لأنه يرى أنه على حق. وهذا هو معنى عبارة السلف المشهورة "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها". يقول ابن تيمية شارحًا هذه العبارة (?):
"ومعنى قولهم إن البدعة لا يتاب منها أن المبتدع الذي يتخذ دينًا لم يشرعه الله ولا رسوله، قد زين له سوء عمله فرآه حسنًا، فهو لا يتوب منه مادام يراه حسنًا؛ لأن أول التوبة العلم بأن فعله سيئ ليتوب منه، فمادام يرى فعله حسنًا وهو سيئ في نفس الأمر فإنه لا يتوب. ولكن التوبة منه ممكنة وواقعة، بأن يهديه الله ويرشده حتى يتبين له الحق".
وقد شملت جهود المجددين تصحيح الانحرافات في المجالين: الفكرية والسلوكية. ولكن سنقصر الحديث هنا على نماذج من جهودهم في تصحيح انحرافات الفكر والمفاهيم.