وأن يعيد إلى نصوص الوحي الثاني مكانتها، وشاعت كتبه بين جموع تلاميذه وتلقاها الناس بالقبول، فكانت منها حركة مباركة قوية ظهر بها الحق وانتصرت بها السُّنَّة واستبانت سبيل المنحرفين.
أما انتصاره للسُّنَّة في مجال تقويته للمسلك الفقهي الصحيح في الاعتماد على الأخبار والآثار وترك التطرف في استخدام الرأي فيقول عنه الرازي:
"إن الناس كانوا قبل الشافعي فريقان: أصحاب الحديث وأصحاب الرأي. أما أصحاب الحديث فكانوا عاجزين عن المناظرة والمجادلة عاجزين عن تزييف طريق أصحاب الرأي، فما كان يحصل بسببهم قوة في الدين ونصرة الكتاب والسُّنَّة. وأما أصحاب الرأي فكان سعيهم وجهدهم مصروفًا إلى تقرير ما استنبطوه برأيهم ورتبوه بفكرهم، وما كان جدّهم واجتهادهم مصروفًا إلى نصرة النصوص. . .
. . . وأما الشافعي - رضي الله عنه - فإنه كان عارفًا بالنصوص من القرآن والأخبار، وكان عارفًا بأصول الفقه وشرائط الاستدلال بتلك النصوص، بل هو الذي جمعها ورتب أصولها ونقح فصولها، وكان أيضًا قويًا في المناظرة والمجادلة. . . ثم إن الشافعي جاء وأظهر ما كان معه في الدلائل والبيان فرجع عن قول أصحاب الرأي أكثر أنصارهم وأتباعهم. . . فوجب القطع بأنه المراد من هذا الخبر؛ يعني: حديث التجديد" (?).
فالشافعي أبان التوازن والتوافق بين النصوص والرأي دون شطط ولا تطرف، وأعاد الناس إلى النهج الوسط السليم. وبجهوده في هذا المجال، وجهوده في نصرة السُّنَّة والذب عنها، وبجهوده في تدوين طرائق الاستنباط، قدّم الشافعي نموذجًا للتجديد في مجال الاجتهاد والتشريع، وأحيا وبعث معلمًا هامًا من معالم الدين.
ذكرنا أن من مجالات التجديد تصحيح الانحرافات وتنقية الدين من العناصر الدخيلة، وهذا عرض لبعض جهود المجددين في هذا المجال.