وقد ظهرت في عصر الشافعي ثلاثة انحرافات في مجال السُّنَّة، انحراف يرى أن الحجة في القرآن وحده وينكر أن تكون السُّنَّة مصدرًا من مصادر التشريع، والانحراف الثاني ينكر أن تستقل السُّنَّة بتشريع الأحكام ولا يقبل من السُّنَّة إلا إذا كان في معناها نص صريح من القرآن، والانحراف الثالث يقبل من السُّنَة فقط ما كان متواترًا، أما ما كان خبر آحاد فلا يرى فيه حجة (?).
وقد تصدى الشافعي لهذه الانحرافات بلسانه وقلمه "وكان والله لسانه أكثر من كتبه" (?). أما الانحراف الأول فقد جاء في كتابه جماع العلم تحت عنوان: "باب حكاية الطائفة التي ردت الأخبار كلها" (?) إثبات مناظرة جرت بينه وبين أحد المنتسبين إلى العلم المنتمين لهذه الطائفة، اشتملت على الشبهات التي أثارتها هذه الطائفة واحتجاج الشافعي على إبطالها وبيان حجية السُّنَّة. وفي الكتاب نفس أيضًا (?) تعرّض تحت عنوان: "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" -يعني: بخبر الخاصة خبر الواحد- إلى هذا الانحراف وساق الدليل بعد الدليل على أن خبر الواحد حجة.
وفي مباحث كتاب الرسالة تعرض لهذه الانحرافات وأطال في نقدها وبيان شذوذها، ودافع بالبراهين عقلًا ونقلًا على أن السُّنَّة كلها حجة متواترها وآحادها، وأن ما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما ليس لله -عز وجل- فيه حكم فبحكم الله سنّه، وأنه قد "سنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كتاب الله -عز وجل-، وسنَّ فيما ليس فيه بعينه نص كتاب، وكل ما سنَّ فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته، وفي العُنُود (*) عن اتباعه معصيته، التي لم يعذر بها خلقًا، ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخرجًا" (?).
وببيان قوي وأسلوب رصين استطاع الشافعي أن يصد الهجوم على السُّنَّة،