أمر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة فلا يمكن فيها كافة غفلة عن معنى كتاب الله تعالى ولا سُنَّة ولا قياس إن شاء الله".

ويقول عن القياس:

"ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالمًا بما مضى قبله من السنن، وأقاويل السلف، وإجماع الناس واختلافهم، ولسان العرب، ولا يكون له أن يقيس حتى يكون صحيح العقل، وحتى يفرق بين المشتبه، ولا يعجل بالقول به دون التثبيت، ولا يمتنع من الاستماع ممن خالفه؛ لأنه قد يتنبه بالاستماع لترك الغفلة ويزداد به تثبيتًا فيما اعتقد من الصواب، وعليه في ذلك بلوغ غاية جهده والإنصاف من نفسه، حتى يعرف من أين قال ما يقول وترك ما يترك".

وعلى هذا المنوال تسير بحوث "الرسالة" القيمة، فجزى الله الإمام الشافعي خير الجزاء عما أسدى لهذه الأمة، من بيان طرق الاجتهاد ومناهج الاستنباط التي هي من عوامل بقاء هذا الدين حيًا متجددًا صالحًا لكل زمان.

الشافعي ناصر السُّنَّة:

قال الشافعي عن نفسه: "سميت ببغداد ناصر السُّنَّة" (?).

وقال أحمد بن حنبل: "رحم الله الشافعي لقد كان يذب عن الآثار" (?).

وقال أبو زرعة: "ما أعلم أحدًا أعظم منة على الإسلام في زمن الشافعي من الشافعي، ولا أحد ذب عن سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما ذب الشافعي، ولا أحد كشف عن سوءات القوم مثل ما كشفه" (?).

هذه بعض الشهادات التي تشير إلى ما اشتهر به الشافعي من نصرة السُّنَّة والدفاع عنها، حتى عرف بلقب "ناصر السُّنَّة". وهذا هو الميدان الثاني الذي برزت فيه جهود الشافعي التجديدية، وقد كانت جهوده في هذا المجال تتمثل في تصديه للانحرافات التي تعرضت لها السُّنَّة في عصره، فذب عنها وكشف أخطاء المنحرفين، كما كانت أيضًا تتمثل في نصرته للاتجاه الفقهي الذي يعتمد على الآثار والسنن ولا يشتط في الاعتماد على الرأي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015