قال أحمد بن حنبل عن كتاب "الرسالة": "إنه من أحسن كتبه" (?)، و"كل الذين كتبوا بعد ذلك في علم الأصول كانوا عيالًا على الشافعي؛ لأنه هو الذي فتح هذا الباب، والسبق لمن سبق" (?).
والمميزات والمؤهلات التي اجتمعت عند الشافعي حتى تمكن من القيام بعبء تدوين أصول الفقه، يتحدث عنها ابن حجر فيقول: "انتهت رياسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس فرحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رياسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن، فاجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك حتى أصّل الأصول وقعّد القواعد" (?). وإذا ضممنا إلى ما قال ابن حجر أن الشافعى نشأ بمكة فكان عنده علم أهل مكة، وأنه كان بصيرًا باللغة العربية ومعرفته بها واسعة، حتى قال عنه علماء اللغة: "أنه ممن تؤخذ منه اللغة" (?) ويحتج به فيها، تبين لنا من ذلك كله المؤهلات التي هيأت الشافعي لتدوين أصول الفقه، فقد كان -رحمه الله- إمامًا في الحديث، إمامًا في الفقه، إمامًا في اللغة، ومن هذه العلوم كان استمداده لأصول الفقه (?).
وهذه بعض الموضوعات التي بحثها الشافعي في كتاب "الرسالة": القرآن ودرجات البيان فيه، السُّنَّة وحجيتها، خبر الواحد وحجيته، الإجماع، القياس، الاستحسان، الصحابة فضلهم وحجية أقوالهم، العام والخاص والمجمل والمفسر، الواجب والفرض والنهي، الناسخ والمنسوخ والاجتهاد والتقليد. ومن ذلك يتبين فضل الشافعي في ابتداء إنشاء علم أصول الفقه، ولم يكن للناس من بعده إلا التوسع في هذه المباحث وزيادة التبحر في دراستها وإضافة ما يتصل بها.
ولتتبين أكثر أهمية الكتاب هذه بعض الفقرات المقتبسة من كتاب "الرسالة" (?):