عبد الرحمن بن مهدي (ت 198 هـ) -أحد أركان العلم بالحديث بالعراق- التمس وهو شاب من الشافعي أن يضع له كتابًا، يجمع فيه قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسُّنَّة، فوضع له الشافعي كتاب "الرسالة" وبعثها إليه، فلما قرأها عبد الرحمن بن مهدي سر بها سرورًا شديدًا (?). ثم إن الشافعي حين خرج إلى مصر وقام بتنقيح كثير من كتبه أعاد تصنيف كتاب "الرسالة" (?)، وهذا التصنيف الهام هو الذي بين أيدينا اليوم (?).

ولعله يبرز سؤال هام هنا وهو: ما المصادر التي استقى منها الشافعي موضوعات هذا الكتاب؟

قد يخطر في بال بعض الناس أن الشافعي اخترع مسائل أصول الفقه من عند نفسه، وأنه هو الذي ابتدأ وضعها نتيجة تفكيره الخاص، ولكن هذا وهم وخطأ. يقول الرازي: "الناس كانوا قبل الشافعي - رضي الله عنه - يتكلمون في مسائل أصول الفقه ويستدلون ويعترضون" (?)، فموضوعات هذا العلم كان يتكلم فيها الناس قبل الشافعي، بل إن من علم حقيقة مباحث أصول الفقه، أدرك أنه لا مناص لكل من تعرض للاجتهاد أن تكون في ذهنه تلك المباحث؛ لأنها هي الطرق التي يسلكها المجتهد عند اجتهاده. يقول الزركشي: "إن الصحابة تكلموا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العلل" (?)، فمنذ عهد الصحابة كانت للاجتهاد طرق وقواعد وضوابط يسير عليها، سواء أفصح عنها المجتهد أم لم يفصح، وكثيرًا ما كان الفقهاء وبخاصة عند اعتراض بعضهم على بعض، ما يتكلمون في كيفية استدلالهم على آرائهم.

وإذا كان الأمر كذلك فقد كان إسهام الشافعي في أصول الفقه هو الجمع والتدوين، والتقسيم والترتيب والاستدلال لبعض مسائله، وصياغة بعض مصطلحاته، وهو عمل أنجز ببراعة تامة حازت على استحسان أهل عصره حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015