التشريعية من هذه المصادر، وفي القسم الثالث يبحث عن أنواع هذه الأحكام وأقسامها ودرجة الإلزام فيها، ويبحث في الصيغ اللغوية للنصوص وكيفية فهم المراد منها، ويبحث في مراتب الأدلة وطرق الترجيح بين المتعارض منها، ويبحث عن مقاصد الشريعة العامة التي تسعى لتحقيقها، وتشكل البحوث ذات الصلة بالاجتهاد والمجتهد القسم الثالث من أقسام أصول الفقه (?).

وتتضح أهمية أصول الفقه من إلقاء السؤال التالي: ما حدود حرية البشر في التشريع؟ (?) إن من المسلم به باتفاق المسلمين كافة أن الحكم لله -عز وجل- ولا يجترئ أحد ممن يدعي الإسلام على غير ذلك (?)، فإذا كان الله -عز وجل- هو الحاكم وهو مصدر التشريع وأن لا حكم إلا منه تعالى، فمن المسلم به أيضًا أن البشر ليس لهم حق التشريع استقلالًا. وقد أظهر الله -عز وجل- أحكامه في نصوص الكتاب والسُّنَّة، ومهمة البشر الأولى أن يبذلوا أقصى ما عندهم من جهد في فهم هذه النصوص والأخذ منها مباشرة. أما ما لم يأت فيه نص فمهمة البشر الثانية أن يبذلوا أقصى ما عندهم من جهد لمعرفة حكم الله -عز وجل-، بواسطة الأمارات والدلائل التي جاءت بها النصوص. وتلك المهمة التي أوكلت للبشر مهمة خطيرة ودقيقة، فلابد والأمر كذلك من قواعد تضبط تشريع البشر وتبين طرق تفسير النصوص وتبحث في الأمارات والدلائل التي جاءت بها النصوص للاهتداء إلى كيفية التشريع بواسطتها، وهذه هي موضوعات بحث أصول الفقه.

وإذا أدركنا أهمية أصول الفقه أدركنا ضخامة المهمة التي نهض بها الإمام الشافعي، فقد كان -رحمه الله- أول من انبرى لهذا الأمر، فكان أول من جمع مباحث أصول الفقه، وضم شتاتها، ودونها في كتاب واحد، وجعلها علمًا مستقلًا. "وقد اتفق الناس أنه أول من صنَّف في أصول الفقه وهو الذي رتب أبوابها، وميَّز بعض أقسامها عن بعض، وشرح مراتبها في القوة والضعف" (?)، وذلك في كتابه المشهور "الرسالة". وسبب تأليف الشافعي لكتاب "الرسالة" هو أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015