خيلك تكاد تنقض بالأطواق الذهبية" (?).
ويكتب الغزالي لأحد الوزراء عن مدينته (طوس)، وكان هذا الوزير قد زارها، ولكن لم يكن لزيارته أثر في إصلاح الأحوال، وكانت تشكو من نقص المواد الغذائية وارتفاع الأسعار:
"اعلم أن هذه المدينة مدينة طوس أصبحت خرابًا بسبب المجاعات والظلم، ولما بلغ الناس توجهك من إسفرائين ودامغان خافوا وبدأ الفلاحون يبيعون الحبوب، واعتذر الظالمون إلى المظلومين واستسمحوهم لما كانوا يتوقعون من إنصاف منك واستطلاع للأحوال ونشاط في الإصلاح، أما وقد وصلت إلى طوس ولم ير الناس شيئًا فقد زال الخوف وعاد الفلاحون والخبازون إلى ما كانوا عليه من الغلاء الفاحش والاحتكار وتشجيع الظالمين. وكل من يخبرك من أخبار هذا البلد بخلاف ذلك فاعلم أنه عدو دينك" (?).
هذه جوانب من إصلاحات الغزالي السياسية، وهي تمثل أسلوبًا من أساليب العمل السياسي الذي قام به المجددون، وليس من هدف هذا البحث استقصاؤها والحكم عليها وبيان الأثر الذي خلفته، بل الغرض من إيرادها هو بيان أن السعي لإعادة الخلافة الراشدة كان يشكل أحد أركان التجديد عند السلف، وحسبنا من هذه الصفحات التي تناولت جهود اثنين من أشهر المجددين أن نكون قد خرجنا بتأكيد هذه الحقيقة.
إن العمل التشريعي الذي يجعل الفقه الإسلامي مواكبًا لتطورات الزمان وملبيًا لحاجات البشر لا يمكن أن يتم إلا بتحقيق علمي خاص وجهد فكري كبير. وهذا العمل هو المعروف بالاجتهاد في المصطلح الإسلامي. وكلمة الاجتهاد معناها لغة: بذل الجهد واستنفاذه، والمراد اصطلاحًا: بذل الجهد واستنفاذه في استجلاء حكم الإسلام في قضية من قضايا الفقه الجزئية (?).