استقالته تاركًا الأمر شورى للمسلمين. وجاء في خطبة الاستقالة: "أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر، عن غير رأي كان مني ولا طلبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون". فصاح المسلمون صيحة واحدة "قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا ورضينا كلنا بك". . . . فقبل الخلافة بعد ذلك (?).
وقد كان صادقًا في نيته إلغاء نظام الوراثة في الحكم، وبدأ يعد العدة لإعلان ذلك ويمهد له، إلا أن بني أمية خشية أن يخرج الأمر من أيديهم دسوا له سمًّا فقتلوه قبل أن يتم إعادة العمل بمبدأ الشورى في كل نواحيه (?).
أما عن تسيير دفة الحكم بالشورى فقد كان عمر معروفًا بذلك قبل أن يكون خليفة، حين كان واليًا على المدينة المنورة، فقد اشتهر عنه أنه كان إذا رفع له أمر مشكل جمع فقهاء المدينة، وكان قد اختار عشرة منهم، فكان لا يقطع أمرًا دونهم (?)، فكانوا هم مجلس شوراه. وحين تولى الخلافة قرّب أهل الخير وانقشع عنه الشعراء والخطباء، وثبت معه الفقهاء والزهاد (?)، فكان أولئك هم أهل مشورته.
وقد أتاح عمر بن عبد العزيز حرية التعبير وإبداء الرأي والنقد البناء، وبلغت سعة صدره في ذلك أن استدعى بعض الخارجين والمتمردين عليه وناقشهم في انتقاداتهم له، وكان من ضمن ما انتقدوه عليه عدم إلغائه نظام الوراثة في الحكم، فقبل منهم ذلك النقد (?)، وعقد العزم على إصلاح ذلك الخطأ.
وفي سبيل تحقيق مبدأ الأمانة في الحكم عمد إلى الأمناء وأصحاب الأهلية، فقلَّدهم مناصب الدولة، وعزل من لا تتوفر فيه مؤهلات المنصب، وقد