المذهب الشافعي، وذلك في رأيه لأن الشافعي وهو مجدد القرن الثاني وهو من أهل البيت قد صار "هو الإمام المبعوث الذي استقر أمر الناس على قوله، ومذهبه هو المذهب الذي استقر عليه الحال، وبعث في رأس كل مائة سنة من يقرر مذهبه" (?). وهذا عجيب من السبكي ولا أظن أحدًا تابعه على هذا الرأي؛ لأنه ليس له من دليل.
أما الاتجاه الآخر في قضية تعدد المجددين فهو الذي ذهب إلى أن المجدد في العصر الواحد يمكن أن يكون أكثر من واحد وقد تبنى هذا الاتجاه ابن الأثير، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر (?).
يقول ابن الأثير: "والأولى أن يحمل الحديث على العموم، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" لا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلًا واحدًا، وإنما قد يكون واحدًا وقد يكون أكثر منه، فإن لفظة من تقع على الواحد والجميع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث الفقهاء خاصة كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء وإن كان نفعًا عامًا في أمور الدين فإن انتفاعهم بغيرهم أيضًا كثير، مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث، والقراء، والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد، فإن كل قوم ينفعون بنفع لا ينفع به الآخر. إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ويتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقراء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا.
فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر، ولكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلًا مشهورا معروفًا مشارًا إليه في كل فن من هذه الفنون.
فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر