وغني عن القول أنه لابد للمجدد أن يضطلع بعمل من الأعمال التي تدخل تحت معنى التجديد، ومن أهم ذلك تجلية الإسلام مما يعلق به من الانحرافات والشوائب الدخيلة على مفاهيمه الأصيلة، وإعادته إلى منابعه الأولى الكتاب والسُّنَّة، سواء كان ذلك في المجال الفكري ببث الآراء وإفشاء العلم بالتدريس وتأليف الكتب أو في المجال العملي بإصلاح سلوك الناس وتقويم أخلاقهم، ويأتي في قمة ذلك إصلاح الإمارة والحكم. وفي الجملة لابد أن يكون المجدد كما قال السلف: "ناصرًا للسُّنَّة قامعًا للبدعة" ومن لا يكون كذلك لا يكون مجددًا ألبتة وإن كان عالمًا بالعلوم مشهورًا بين الناس مرجعًا إليهم (?). فمجرد كون المرء جسرًا أو قنطرة تنتقل عبرها العلوم، لا يكفي لأن يجعل في مصاف المجددين، ومع الاعتراف بجلال العمل الذي يؤديه، إلا أنه لابد أن ينضاف إلى ذلك جهد إزالة الشوائب والأخطاء النظرية في العلوم، وردها إلى منابع السُّنَّة، وتصحيح الانحرافات العملية في المجتمع وذلك هو المقصود من قول السلف: "نصر السُّنَّة وقمع البدعة".
يقول ابن عساكر في بيان رأيه في أن أبا الحسن الأشعري هو مجدد القرن الثالث وليس هو أبا العباس بن سريج: "وقول من قال إنه أَبو الحسن الأشعري أصوب؛ لأن قيامه بنصرة السُّنَة إلى تجديد الدين أقرب، وهو الذي انتدب للرد على المعتزلة وسائر أصناف المبتدعة المضللة، وحالته في ذلك مشتهرة، وكتبه في الرد عليهم منتشرة، فأما أَبو العباس ابن سريج فكان فقيهًا مضطلعًا بعلم أصول الفقه وفروعه نبيهًا" (?).
ولا ينبغي أن ينحصر أثر المجدد في دائرة ضيقة، ولا أن يقتصر النفع به في مجال محدود، بل إن السلف قد رأوا أن من يستحق ذلك اللقب ينبغي أن يعم علمه ونفعه أهل عصره (?). وأن تكون آثاره ومؤلفاته مشهورة ذائعة، وأن تكون جهوده الإصلاحية ذات تأثير بيِّن في اتجاهات الفكر والعلم وفي حياة