الناس. ومن المعايير لمعرفة تأثير المجدد ما يتركه خلفه من أصحاب وتلاميذ ينشرون آراءه، ويوسعون دائرة الانتفاع بمصنفاته وأعماله الإصلاحية. يقول الزين العراقي: "وسبب الظن في ذلك -يعني: تعيين المجدد- شهرة من ذكر بالانتفاع بأصحابه ومصنفاته" (?). أو بعبارة أخرى يمكن أن يقال: أن يتكون في حياة المجدد ومن بعده اتجاه علمي وعملي متميز، أو إن شئت قلت: مدرسة أو مذهبًا، أو حركة، أو جماعة، وهي ألفاظ متقاربة تدل على الأثر الذي ينبغي للمجدد أن يتركه وإلا لم يعد مجددًا، وهذا الشرط ليس شرطًا اعتباطيًا تحكميًا، وإلا فهل يقال: إن أثر المجدد ينتهي بنهاية حياته؟
وقت بعث المجدد:
تلك مجملًا المقاييس التي تذكر عند تعداد وحصر المجددين، وعلى أساسها تساق الحجج والأدلة عند الاختلاف فيمن هو المجدد. وهي كما رأينا مقاييس عامة وليست دقيقة الدقة كلها، وإذا أفلحت هذه المقاييس في إخراج الكثيرين، ممن يمكن أن يزعم أنهم من المجددين، إلا أنها قد لا تكون كافية لحصر المجددين في واحد أو اثنين. ومن السهولة بمكان أن نلاحظ أن كثيرًا من العلماء والمشهورين قد جمعوا هذه الصفات. إلا أن هناك ضابطًا آخر أشار إليه السلف، وهو ما يمكن أن يسمى بالضابط الزمني وهو الذي أشار إليه الحديث من أن المجدد يبعث على رأس المائة. يقول الكرماني (أحد شراح صحيح البخاري): "قد كان قبيل كل رأس مائة أيضًا من يصحح ويقوم بأمر الدين، وإنما المراد من انقضت المائة وهو حي عالم مشار إليه". وقد ذكر معنى هذه العبارة ابن الأثير والسيوطي وغير واحد من السلف (?).
ورأس المائة يقصد به هنا آخر المائة، وهذا هو أحد معاني هذه اللفظة لغة، وهذا يعني أن تجديد الدين على يد المجدد يكون في نهاية كل مائة سنة. وجاءت لفظة (رأس المائة) هذه بنفس هذا المعنى في حديث آخر، وهو حديث ابن عمر في الصحيحين: "أرأيتم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى