ومن ذلك أن تكون له ملكات عقلية، وقدرات فكرية، تمكنه من أن يكون ذا قدم راسخة في العلوم، ليس فحسب في مجال الكثير من فنونها وفروعها، كما تجمع الكتب في الخزانات والصناديق، ولكن أن يكون ذا نظر ثاقب، يستطيع به أن يحوز ملكة نقدها وبيان صحيحها من سقيمها، أو بعبارة أخرى أن تكون له الأهلية لقيادة الفكر في عصره.

فهذا التفوق العقلي، وتلك المقدرات العلمية العالية، أو كما يقول السيوطي: "يشار بالعلم إلى مقامه" و"أن يكون جامعًا لكل فن" (?)، هي من أوائل الصفات التي رأى السلف ضرورة توفرها في المجدد، وجعلوها مقياسًا لمن يستحق أن يوصف بأنه مجدد القرن. ومن الأمثلة على ذلك تلك المناقشة التي يجريها ابن عساكر عن مجدد القرن الخامس والتي يرد فيها على من رأى أن مجدد القرن هو أمير المؤمنين المسترشد بالله فيقول: "وعندي أن الذي كان على رأس الخمسمائة، الإمام أَبو حامد محمد الغزالي الطوسي الفقيه؛ لأنه كان عالمًا عاملًا، فقيهًا، فاضلًا، أصوليًا، كاملًا، مصنفًا، عاقلًا، انتشر ذكره بالعلم في الآفاق وبرز على من عاصره" (?).

وإذا كان العلم هو أحد أبرز صفات المجدد، فقد ضم بعض السلف إلى ذلك أن يكون المجدد مجتهدًا (?). ومما لا شك فيه أن هذه الصفة ضرورية لكل من تبوأ منصب التجديد، فكما رأينا أثناء عرض تعريف السلف للتجديد فإن مواجهة المشكلات التي تتولد في كل عصر، والاجتهاد في وضع الحلول لها في ضوء التفكير الإسلامي الأصيل هو من أهم مجالات التجديد.

ومن الواضح أن المجدد ينبغي أن يكون متقدمًا في كثير من الصفات الشخصية الأخرى، وأن تكون له فضائل جمة كثيرة لم يتعرض السلف إلى بيانها بالتفصيل، وإن كانوا قد ألمحوا إليها، وأشاروا إلى أنه ينبغي أن يجمع كثيرًا من صفات الخير (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015