{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105]، وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النحل: 64]. ولهذا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه" يعني: السُّنَّة، والسُّنَّة أيضًا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك" (?).

وخلاصة الأمر أن ضوابط فهم النصوص هي التي تحفظها من الضياع والتبديل، والتجديد السليم هو الذي ينضبط بضوابط فهم النصوص هذه، وإلا كان تحريفًا للنصوص عن مواضعها بتأويلها بغير التأويل الصحيح.

الالتزام بضوابط الاجتهاد:

الاجتهاد من وجوه التجديد الأساسية التي لا يكتمل إلا بها، إذ لا يخلو عصر أو بلد من جديد لم يكن معلومًا من قبل. ولكن ذلك الاجتهاد الذي يصاحب التجديد ليس باجتهاد غير ملتزم ولا منضبط، بل هو اجتهاد بالمعنى الفقهي الأصولي للاجتهاد، ملتزم ومرتبط بضوابط تسدد مسيرته وتهدي طريقه، وتقربه من الصواب وتبعده من الخطأ والزلل. فللاجتهاد منهج علمي محدد مرسوم، لا يمكن أن يتجاوزه الباحث المجتهد، مثله في ذلك مثل كثير من علوم البشر ومعارفهم، مقيدة بمناهج علمية مرتضاة من علمائها، لابد لكل باحث من التزامها. وقد بيَّنت كتب أصول الفقه مناهج الاستنباط والاستدلال، ببحوث كثيرة وثرة وغنية.

وقد تنوَّعت وتعددت عبارات الأصوليين في تعريف الاجتهاد، وليس هذا موضع بسطها وهي مذكورة في كثير من المصادر، منها على سبيل المثال تعريف الشوكاني أنه "بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط" (?). وبالنظر في دراسات الأصوليين عن الاجتهاد يمكن أن تتبين عدة ضوابط ترسم منهجه وتحدد مجاله، وبالتالي تضبط التجديد الذي لا محيد له من الاجتهاد لبيان أحكام الشرع في الحوادث الطارئة المتغيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015