العقلية للشخص، والثقافات والمعارف التي ترسم طريقة تفكيره، والدوافع والبواعث النفسية التي تحركه، وغير ذلك من العناصر التي تتفاعل كلها لتكوِّن فهمه للنصوص.
وإذا كان فهم النصوص هو نتائج العقول المتباينة فيما بينها تباينًا عظيمًا، وكان فهم النصوص هو أساس الدين، صار بوسعنا أن نتصور كم من الأشكال للدين يمكن أن تتولد من هذه الطرق المختلفة للفهم. وإذا كان ذلك هو الأمر الواقع، فإنه لا بقاء للدين الصحيح إلا بوجود منهج محدد لطريقة فهم النصوص. ومن وجهة نظر السلف فإن الصحابة قد تلقوا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاني القرآن كما تلقوا ألفاظه (?)؛ وكذلك الأحاديث. إذ أن المقصود من الألفاظ هو المعاني، ومن غير المعقول أن يكون خطاب الله ورسوله لهم بما لا يفهمونه. وبجانب هذا التلقي المباشر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن هناك مميزات أخرى انفرد بها الصحابة تجعل فهمهم للنصوص هو الفهم السليم (?). ومن ذلك أن النصوص كانت بلغة خطابهم اليومية، ومن ذلك أنهم شاهدوا وحضروا المناسبات التي من أجلها أنزلت الآيات والظروف التي قيلت فيها الأحاديث، وعاشوا الجو المحيط بها، وبادروا إلى العمل بها وقد كانت تمس أدق المسائل في حياتهم والعمل من أهم الوسائل التي تعين على الفهم.
وهذه المدرسة التي تكونت لفهم النصوص هي المدرسة التي لا زالت تحفظ جيلًا بعد جيل المعاني الصحيحة للنصوص والمنهج السليم لمعرفة مقاصدها ومراميها. وهي المدرسة التي تركت آثارها مدونة في أمهات كتب التفسير وأمهات كتب شروح الأحاديث. ولأن الدين الصحيح هو نتيجة الفهم الصحيح للنصوص فإن أحد معاني تجديد الدين هو نقل المعاني الصحيحة للنصوص وإحياء الفهم السليم لها.
أما العمل بالكتاب والسُّنَّة فإنه هو الغاية من معرفة النصوص وفهمها. والعلم بالنصوص ومعانيها يشكل الأساس النظري للدين، ومن أخطر الانحرافات التي تصيب الدين الانفصال بين العلم وبين العمل أيًّا كان نوع هذا الانفصال ودرجته.