فإن الدين ينهدم من أساسه. ولعل النظر في تاريخ الأديان السابقة مثل اليهودية والنصرانية، يؤكد بجلاء هذه الحقيقة ويصور مدى خطورة هذه الناحية، فقد دخل في صلب الكتب المقدسة ما ليس منها، وأصبح من العسير جدًا أن يوجد أي معيار لمعرفة ما هو موحى به من عند الله تعالى، وما هو من أقوال الأنبياء -عليهم السلام-، وما هو من كتابات تلاميذهم وأتباعهم من بعدهم. ومن ناحية وثائقية تاريخية فإنه من المشكوك فيه جدًا نسبة ما يسمى الآن بالكتب المقدسة لهذه الأديان إلى مصادرها (?).
وقد كان من الممكن أن يحدث للإسلام ما حدث للأديان السابقة ولكن الله حفظ هذا الدين من هذه الناحية، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]. أما القرآن فلم يدخله تحريف قط.
وأما الحديث فقد دخله ما ليس منه، وزاد فيه الوضّاعون. وقد بذلت جهود ضخمة لتوثيقه وتصحيحه. وإذ كان تجديد الدين هو إحياءه والإبقاء عليه، فإن المحافظة على نصوص الدين الأصلية من الضياع ومن الاختلاط بغيرها يكون أحد معاني التجديد. وهل تتصور أي إعادة للدين أو إحيائه دون أن تكون هناك طريقة علمية واضحة، لتوثيق وتصحيح النصوص الأصلية للكتاب والسُّنَّة؟ وهل تتصور أي إعادة للدين أو إحيائه دون أن يكون هناك نقل صحيح من جيل إلى جيل لألفاظ القرآن وألفاظ الحديث؟
ومن ذلك كله يمكن أن ندرك أن الجهود التي تبذل في سبيل توثيق نصوص القرآن والحديث، وأن العلوم التي نشأت لتحقيق هذا الغرض تدخل في معنى تجديد الدين. ويكون من أحد معاني تجديد الدين حفظ نصوص الدين الأصلية صحيحة نقية.
والأمر الثاني الذي يندرس من الكتاب والسُّنَّة هو معاني النصوص، وهذا هو الباب الواسع الذي يدخل منه التحريف للدين، ذلك أن فهم النصوص يتأثر بعوامل كثيرة منها ما يتصل بالشخص نفسه، ومنها ما يتصل بالزمان والعصر الذي يعيش فيه، ومنها ما يتصل بالمكان والبيئة التي ينشأ فيها، فهناك القدرات